المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

443

من الضدّين ـ علّة لارتفاع الضدّين اللذين لا ثالث لهما، الذي هو محال بالذات. وهذا انخرام لكلتا القاعدتين العقليّتين اللتين أشرنا إليهما. ولو قلنا باستحالة انتفاء المرجّح في سلسلة العلل، لزم انخرام القاعدة الثانية فحسب، في حين لو سلّمنا وجود النسبة الثالثة في الخارج، فلا يبقى هناك إشكال؛ إذ يوجد أحد الضدّين ـ حينئذ ـ بالسلطنة بلا حاجة إلى مرجّح(1).

إذا عرفت هذا قلنا في المقام: إنّ الضرورة التكوينيّة ـ التي هي النسبة بين الفعل وفاعله، من دون فرق بين الأفعال، على مذهب الفلاسفة ـ تكون في عرض السلطنة التي هي النسبة عندنا بين الفعل وفاعله المختار، في حين أنّ الحسن والقبح عبارة عن ضرورة خلقيّة، وهي في طول السلطنة؛ إذ لا تتّصف الاُمور غير الاختياريّة بالحسن والقبح، وتباين ماهيّة الضرورة التكوينيّة، وإلّا لكانت خلف فرض السلطنة المفروضة في الرتبة السابقة عليها.

فالضرورة الخلقيّة عبارة عن كون الأولى أن يقع هذا الفعل أو أن لا يقع، والضرورة التكوينيّة عبارة عن أنّه لا يمكن أن لا يقع أو أن يقع. وليس المقصود بيان التعريف المنطقىّ؛ فإنّ الأولويّة وكذا الضرورة التكوينيّة وما أشبه ذلك كالإمكان والامتناع والوجود والعدم مفاهيم واضحة، ومن أوضح المفاهيم، ولا يمكن توضيحها بمفاهيم اُخرى، وإنّما المقصود إلفات النظر وتوجيهه نحو المعنى الخاصّ، وهو ـ كما اتّضح ـ الضرورة الخلقيّة: وهي نسبة واقعيّة بين السلطنة والفعل.

بقي هنا شيء، وهو: أنّ المشهور جعلوا الحسن والقبح عبارة عن صحّة المدح والذمّ عليه.


(1) قد يقال: إنّ هذا ليس دليلاً على وجود السلطنة خارجاً؛ إذ فرض وجود السلطنة خارجاً لايرفع الإشكال؛ ذلك لأنّه حتّى لو كانت السلطنة موجودة خارجاً بإمكاننا أن نقول: إنّ عدم المرجّح منضمّاً إلى عدم السلطنة ـ ولو محالاً ـ علّة لارتفاع الضدّين اللذين لاثالث لهما، في حين أنّ ارتفاعهما مستحيل بالذات، وقد قلنا: إنّ المستحيل بالذات لا يكون معلولاً ولو لأمر محال، فقد عاد الإشكال.

والجواب عن ذلك: أنّ السلطنة نسبتها إلى الوجود والعدم سيّان، فليست هي علّة للوجود كي يدخل عدمها في علّة العدم، فعلّة عدم الضدّين إنّما هي عدم المرجّح في ظرف عدم السلطنة، أي: إنّ عدم السلطنة قيد للعلّيّة لا للعلّة. فإن كان هذا القيد ثابتاً، إذن العلّيّة ثابتة، وبالتالي قد ثبت الإشكال؛ لأنّ عدم المرجّح أصبح علّة لمستحيل بالذات، وهو انتفاء ضدّين لا ثالث لهما، وإن كان هذا القيد غير ثابت: بأن كانت السلطنة موجودة خارجاً إذن فالعلّيّة غير ثابتة، فيرتفع الإشكال من أساسه.