المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

491

الإجمالىّ لا حسن فيه مع التمكّن من الامتثال التفصيلىّ، أمكن إجراء هذه الدعوى فيما نحن فيه، فإنّ هذا ليس كلاماً برهانيّاً، وإنّما هي دعوى وجدانيّة، أمر تمديدها وتقصيرها بيد صاحب هذا الوجدان.

وإن استدلّ على ذلك بما في أجود التقريرات: من أنّ التحرّك عن احتمال الأمر مؤخّر رتبة عن التحرّك عن عين الأمر؛ لأنّ احتمال الأمر مؤخّر رتبة عن الأمر، فهذا الكلام لا يأتي فيما نحن فيه؛ إذ لو سلّم أنّ التحرّك في الامتثال التفصيلىّ الوجدانىّ يكون عن عين الأمر، وغضّ النظر عمّا مضى: من أنّ التحرّك فيه تحرّك عن العلم بالأمر الذي هو في طول الأمر أيضاً كالاحتمال، فمن الواضح فيما نحن فيه: أنّ التحرّك يكون عن احتمال الأمر. فلو علم إجمالاً ـ مثلاً ـ بوجوب الظهر أو الجمعة، وقامت أمارة تعبّديّة على وجوب الظهر، فصلّى الظهر، كان تحرّكه ناشئاً عن احتمال انطباق المعلوم بالإجمال واقعاً على الظهر.

ولو فرض أنّ دليل حجّيّة الأمارة يجعل العلم والطريقيّة اعتباراً؛ فإنّ العلم الاعتباريّ لو كان له أثر، فأثره إنّما هو جعل هذا الاحتمال منجّزاً، لا كونه بالمباشرة موجباً للتحريك كالعلم الحقيقيّ؛ ولذا لو جعل شيء علماً اعتباراً أو تشريعاً، وكان العبد يقطع بمخالفة ذلك للواقع، لم يتحرّك نحو أثر المعلوم قطعاً.

وهذا الكلام الذي ذكرناه إنّما هو مشي على مباني المحقّق النائينيّ(رحمه الله). أمّا نحن فنقول ـ على ما سيظهر مفصّلاً إن شاء الله ـ: إنّ هذا الاحتمال كان منجّزاً بواسطة العلم الإجمالىّ، وأثر الأمارة إنّما هو سلب المنجّزيّة عن احتمال الطرف الآخر، ولا نجعل هذا إشكالاً مستقلّاً على المحقّق النائينىّ(رحمه الله) ؛ لعدم تماميّته على مبانيه(1).

وعلى المبنى الثاني: وهو وجوب الامتثال التفصيلىّ خطابيّاً أو غرضيّاً يمكن تطبيق المبنى على ما نحن فيه ـ أيضاً ـ بكلا تقريبيه، أعني: تقريب الاستدلال بالإجماع، وتقريب الاستدلال باحتمال الدخل في الغرض.


(1) الظاهر: أنّ الإشكال الأوّل ـ أيضاً ـ إشكال مبنائيّ؛ فإنّ المحقّق النائينىّ(رحمه الله)يرى أنّ العلم الاعتباريّ كالعلم الوجدانىّ رافع لموضوع قبح العقاب بلا بيان، وأنّ المقصود بالبيان هو الوصول والعلم، وللوصول والعلم فردان: فرد وجدانىّ، وفرد اعتبارىّ. فصحيح ما أورده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّ الأمارة إنّما تجعل الاحتمال منجّزاً؛ ولذا لو جعل المولى شيئاً علماً اعتباراً مع القطع بمخالفته للواقع، لم يكن محرّكاً، إلّا أنّ هذا ـ أيضاً ـ إشكال مبنائىّ، وليس بنائيّاً.