المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

149

وأمّا تماميّة سيرة العقلاء دون سيرة المتشرّعة فتكون في موارد عديدة، ونذكر منها مورداً واحداً، ونختار ذلك المورد بالخصوص لكونه بحثاً مفيداً لم يطرق عادة، وهو البحث عن حجّيّة ظهور الفعل.

فالفعل الصادر من الشخص نتصوّر له تارةً دلالة تكوينيّة من باب كشف المعلول عن علّته كدلالة الفعل على الشجاعة أو الجبن، وهذا خارج عمّا نحن فيه. وهذه الدلالة إن كانت علميّة كان العلم حجّة، وإن كانت ظنّيّة دخلت في باب الظنّ العامّ. واُخرى دلالة لغويّة ومربوطة بباب الوضع كدلالة الألفاظ على معانيها، وذلك كالقيام الذي وضع للاحترام.

والكلام هنا في حجّيّة هذه الدلالة الثانية، فمثلاً لو أمر المولى عبده بإكرام كلّ من قصد المولى احترامه ثُمّ رأى العبد قيام مولاه لزيد، فهل يثبت له تعبّداً وجوب إكرام زيد، أو لا؟ لا يمكننا إثبات حجّيّة ذلك بسيرة المتشرّعة، فإنّنا إنّما استكشفنا سيرة المتشرّعة في زمان الشارع على حجّيّة ظهور الألفاظ من أنّه يلزم


ظهور حال للمتكلّم بما هو متكلّم؛ فإنّ هذا ليس ظهور حال بما هو متكلّم بكلام مشخّص كي يصبح ظهوراً لفظيّاً لذاك الكلام، وإنّما هو ظهور حال له بما صدرت منه: من كلمات كثيرة، والظهور المقتنص من مجموع عبائر منفصل بعضها عن بعض، والذي هو جديد غير مستبطن ولو بشكل متقطّع في مجموع العبائر لا يمكن أن يكون ظهوراً لفظيّاً، وإنّما هو ظهور حاليّ. غاية ما هناك أنّ الظهور الحاليّ للإنسان قد يكون بما له من منصب مثلاً، وقد يكون بما هو متكلّم، وهذا لا يعني دائماً أنّه يرجع إلى الظهور اللفظيّ. إذا عرفت ذلك قلنا: إنّ حجّيّة ظهور الحال والفحوى غير الراجعة إلى الظهور اللفظيّ ليست داخلة في القدر المتيقّن لو فرضنا أنّ سيرة المتشرّعة لها قدر متيقّن وأنّه لم يثبت لنا تحقّقها في كلّ موارد الظهور.