المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

309

وقد ظهر جواب هذا أيضاً بما حقّقنا: من أنّ الوسيط بين الإجماع والسنّة هو الارتكاز لا الرواية، وهذا الاستغراب بنفسه دليل على أنّ المدرك لم يكن رواية، بل كان ارتكازاً.

الإشكال الثالث: من قِبَل بعض مَن حصر الدليل الشرعيّ بالكتاب والسنّة بدعوى استفادة ذلك من روايات حصر المرجعيّة بالقرآن والسنّة، والإجماع خارج عن هذا الحصر.

وقد سبق الكلام في هذا الحصر في بحث حجّيّة الدليل العقليّ، ونقول هنا بعد فرض تسليم الحصر: إنّنا لا نرى الإجماع في عرض الكتاب والسنّة، بل نراه كاشفاً بواسطة الارتكاز عن السنّة وهي الحجّة.

هذا. ويمكن تلخيص أهمّ الخصوصيّات التي يجب أن تتواجد حتّى تتمّ كاشفيّة الإجماع في أربعة اُمور:

الأوّل: أن يكون الإجماع مشتملاً على فتاوى الأقدمين من فقهائنا الإماميّة، فإن لم تكن المسألة إجماعيّة عند الأقدمين فلا يفيدنا مجرّد إجماع الفقهاء المتوسّطين.

الثاني: أن لا يعلم استناد أصحاب الإجماع على مدرك معيّن، بل لايحتمل ذلك أيضاً احتمالاً معتدّاً به؛ إذ لو كان كذلك لكان تمحيص هذا الإجماع بتمحيص ذاك المدرك. نعم، قد يكون الإجماع مقوّياً ومؤدّياً لدليليّة الدليل.

الثالث: أن لا تكون هناك قرائن تنفي وجود الارتكاز الذي أردنا كشفه بواسطة الإجماع، وإلّا لكانت مزاحمة لكاشفيّة الإجماع، ومن أمثلة ذلك ما ذكرناه في مسألة طهارة الكتابيّ، حيث استندنا على قرائن عديدة تدلّ على عدم وجود الارتكاز على نجاسة الكتابيّ، من قبيل سنخ الأسئلة الواردة في الروايات على ألسنة الرواة، كالسؤال عن جواز الأكل معهم إذا علمنا بأنّهم يشربون الخمر.