المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

414

كي يكون تركاً للتحفّظ على الواقع بشكل مطلق، بل أوجب التبيّن بمعنى حرمة مخالفة الخبر قبل التبيّن، فإذا تبيّن ولم يثبت له الصدق ولا الكذب جاز له عندئذ الرجوع إلى البراءة، فهذا مستوى وسط بين الحجّيّة بتمام المعنى وبين رفض الخبر بتمام المعنى. وعليه فنحن بحاجة في مقام إثبات حجّيّة خبر العادل إلى برهان الأسوئيّة بأن نقول: إذا لم يجب التبيّن في خبر العادل وجوباً طريقيّاً، فهذا إمّا أن يكون بمعنى حجّيّة خبر العادل بتمام معنى الكلمة، أو يكون بمعنى رفض خبر العادل بلا تبيّن، أي: أنّه يجوز الرجوع في مورده إلى البراءة قبل التبيّن، والثاني يستلزم أسوئيّة حال العادل من الفاسق، فيتعيّن الأوّل.

إلّا أنّ هذا الاحتمال في نفسه خلاف الظاهر؛ لأنّه لا يناسب التعليل الوارد في الآية الكريمة، فإنّ الأمر بالتبيّن قد علّل في الآية بالخوف من إصابة القوم بالجهالة، أي: بالخوف من نتائج العمل بخبر الفاسق، ولم يعلّل بالخوف من نتائج ترك العمل به مع أنّ هذا الوجوب الطريقيّ ملاكه بحسب الحقيقة هو مجموع الخوفين.

الاحتمال الخامس: ما مضى عن الشيخ الأعظم(رحمه الله) من أنّ الأمر بالتبيّن إرشاد إلى كون التبيّن شرطاً في العمل بخبر الفاسق، أي: شرطاً لوجوده بحسب لحاظ المولى لا بحسب عالم التكوين، وذلك بتحريمه للعمل به بلا تبيّن، ومقتضى المفهوم عندئذ هو أنّ خبر العادل لا يشترط في العمل به التبيّن؛ وذلك إمّا لحجّيته، أو لعدم جواز العمل به حتّى بعد التبيّن. والثاني باطل، لا لمقدّمة الأسوئيّة، بل لاستحالة تحريم العمل به بعد التبيّن ووضوح صدقه، فيتعيّن الأوّل. ومن هنا مضى أنّ هذا الوجه لا يحتاج إلى مقدّمة الأسوئيّة، ولعلّ هذا الوجه مرجعه بحسب الدقّة، أو بحسب التحليل العرفيّ إلى الوجه السادس.

الاحتمال السادس ـ وهو المختار الذي نستظهره من الآية الكريمة ـ هو: أن يكون