المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

448

نقول فيما نحن فيه: إنّ عموم التعليل ينفي جعل العلم والطريقيّة والمفهوم يثبته، فهما في عرض واحد ومتعارضان، ولا وجه لحكومة المفهوم على عموم التعليل.

وأمّا ثانياً: فلأنّ الاجتناب عن الإصابة بالجهالة علّل في الآية الشريفة باحتمال الوقوع في الندم، فالعلّة الأصليّة تصبح هي احتمال الوقوع في الندم. والمقصود بالندم إمّا هو الندم الحاصل بعد تبيّن مخالفة تلك الأمارة للواقع على أساس ما فات من مصالح الواقع، أو الندم على أساس تنجّز الواقع مولويّاً من باب عدم حجّيّة تلك الأمارة، ومخالفة الواقع بلا عذر شرعيّ:

فإن كان المقصود هو الأوّل فلا وجه للحكومة المدّعاة في المقام، ولا رافع لاحتمال الندم، فلنفرض أنّ احتمال الجهالة والخطأ ارتفع بجعل العلم والطريقيّة، واحتمال الخطأ مع احتمال الندم متلازمان؛ لأنّ الندم لازم تكوينيّ لانكشاف الخطأ، ولكن نفي احتمال شيء تشريعاً لا يعدّ نفياً تشريعيّاً لاحتمال ما يلازمه تكويناً، ولم يكن الندم أثراً شرعيّاً لنقيض الأمارة كي يرفع بحجّيّة الأمارة، فقد يفرض أحد الاحتمالين المتلازمين منفيّاً بجعل العلم والطريقيّة، لكن الاحتمال الآخر لا مبرّر لافتراض عدمه؛ إذ جعل العلم والطريقيّة إنّما ثبت في مقابل احتمال أحد الأمرين دون الأمر الآخر(1).


(1) هذا الكلام يرجع بروحه إلى إنكار حجّيّة مثبتات الأمارة بناءً على مبنى كون الحجّيّة عبارة عن جعل العلم والطريقيّة.

ولكن بالإمكان أن يقال: إنّه إذا فهم من دليل حجّيّة الأمارة أنّه إنّما جعلت علماً وطريقاً بما لها من كاشفيّة تكوينيّة، وكانت كاشفيّتها عن الشيء، وعن ملازمه على حدّ سواء، إذن فجعل العلم والطريقيّة يتمّ بلحاظ كلا الأمرين المتلازمين، فخبر العادل كما هو كاشف عمّا أخبر به كذلك هو كاشف عن أنّه سوف لن يتحقّق الندم، فنكون تعبّداً عالمين بالمخبر به وبعدم الندم، ويكون هذا حاكم على عموم التعليل بحسب الفرض.