المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

478

الثاني: أنّ الآية الشريفة دلّت على وجوب الإنذار، ومقتضى إطلاقها وجوبه حتّى عند عدم كونه موجباً لحصول العلم، ولولا وجوب الحذر لَلَغى وجوب الإنذار، فقد دلّت الآية بدلالة الاقتضاء على وجوب الحذر حتّى مع عدم حصول العلم، صوناً لكلام الحكيم عن اللغويّة.

الثالث: أنّ الآية الشريفة دلّت على وجوب الإنذار، وعلى كون غاية ذلك الحذر. ومن المعلوم أنّ اهتمام الموجب بنفس الغاية ليس بأقلّ من اهتمامه بمقدّماتها. فإن فرض أنّ تلك الغاية لم تكن من الأفعال الاختياريّة كما في قولنا: (اشرب الدواء لعلّك تُشفى)، فالكلام وإن دلّ على شدّة اهتمامه بالغاية لكن لا معنى لوجوبها؛ لأنّ المفروض عدم كونها فعلاً اختياريّاً. وأمّا إن كانت فعلاً اختياريّاً كما نحن فيه، فإيجاب مقدّمتها لأجلها يدلّ على وجوبها؛ لما قلنا: من أنّ الاهتمام بها لا يقلّ عن الاهتمام بمقدّمتها. ومقتضى إطلاق الكلام كون وجوب الإنذار ثابتاً حتّى عند فرض عدم كونه موجباً للعلم، فيثبت وجوب الغاية حتّى عند هذا الفرض.

أقول: إنّ الأصحاب(قدس سرهم) سواء القائلين بتماميّة الاستدلال بهذه الآية، والقائلين بعدم تماميّة الاستدلال بها ركّزوا كلامهم على مدى دلالة الآية على وجوب الحذر وعدمها. وأمّا الملازمة بين وجوب الحذر والحجّيّة فأخذوها أمراً متسالماً عليه من الطرفين.

والتحقيق: أنّ هذا الأمر المتسالم عليه غير صحيح، إذ لم يرتّب وجوب الحذر على إخبار المخبر، وإنّما رتّب وجوب الحذر على إنذار المنذر، ولا معنى للإنذار إلّا لدى تنجّز الحكم سابقاً وقبل الإنذار حتّى يتمّ استحقاق العقاب في الرتبة السابقة على الإنذار، كي يعقل الإنذار بالعقاب. وفي زمن نزول الآية كان الناس في مختلف البلاد جاهلين بالأحكام، والأحكام منجّزة عليهم في المرتبة السابقة على الإنذار بالعلم الإجماليّ، أو بكون الشبهة قبل الفحص، وكان مقتضى القاعدة إيجاب الفحص على الجميع، ولكن كان ذلك موجباً لاختلال النظام فسقط عنهم الفحص بهذا النحو، واُمروا