المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

104

استصحاب عدم الصدور، فيتنقّح بذلك موضوع هذا الحديث، فيتمسّك به، إلاّ أنّ هذا ليس عبارة عن أصالة البراءة، وإنّما هذا تعبّد بالإباحة الواقعيّة ببركة استصحاب موضوعها. وذكر(قدس سره): أنّ هذا لا يتمّ على إطلاقه؛ لأنّ إطلاقه ينتقض بفرض توارد الحالتين بأن علمنا بأنّ الشيء الفلانيّ كان منهيّاً عنه في وقت، وحلالاً في وقت آخر، ولم يعلم ما هو المتقدّم ممّا هو المتأخّر،ففي هذا الفرض لا يتمّ هذا الوجه، وعلّل ذلك ـ على ما يظهر من عبارته ـ بأنّ الغاية هي ورود النهي، والمفروض وروده، فقد حصلت الغاية، فلا موضوع للتمسّك بالحديث(1).

إلاّ أنّ المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) استظهر من عبارة صاحب الكفاية أن يكون مقصوده هو إبطال التمسّك في فرض توارد الحالتين بهذا الحديث بعدم جريان الاستصحاب، لابتلائه في موارد توارد الحالتين بالتعارض، أو بانفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين. وعندئذ اعترض عليه: بأنّنا إن فرضنا في مفاد الحديث أنّ موضوع الإطلاق حدوثاً هو نفس الشيء بعنوانه الأوّلي، وقد جعل الإطلاق مغيّىً بورود النهي لم يعقل الشكّ في تقدّم النهي أو الإباحة المعلومين، بل نقطع بتقدّم النهي على تلك الإباحة الخاصّة المعلومة؛ إذ لو كانت الإباحة الخاصّة هي المقدّمة على النهي لعاصرت الإباحة العامّة الثابتة بقوله: «كلّ شيء مطلق». وهذا يعني اجتماع إباحتين على عنوان واحد، وهو مستحيل. إذن فلا علاقة للمورد بإشكال الاستصحاب في فرض توارد الحالتين.

وأمّا إن فرضنا في مفاد الحديث كون موضوع الإطلاق من أوّل الأمر هو ما لم يرد النهي عنه، فالإطلاق ليس حكماً ثابتاً على نفس عنوان الشيء، بل هو حكم



(1) راجع الكفاية، ج 2، ص 177 و179 من الطبعة القديمة المقرونة بتعليقة المشكينيّ.