المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

108

إلى البراءة في الشبهة الوجوبيّة، للإجماع على عدم اختصاص البراءة بالشبهةالتحريميّة، فلا يضرّنا اختصاص النصّ بالشبهة التحريميّة، فقد تعدّى من البراءة في الشبهة التحريميّة إلى البراءة في الشبهة الوجوبيّة، مع أنّ الدليل المفروض على البراءة في الشبهة التحريميّة هنا هي أصالة الإباحة التي هي أصل عمليّ لا أمارة من الأمارات، وأيّ فرق بين ما نحن فيه وهذا المقام؟!(1).

أقول: أمّا قياسه(قدس سره) ـ لما نحن فيه بأصالة البراءة المستفادة من قوله: «كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام» ـ فمن غرائبه، فإنّ هذا الكلام دليل لفظيّ دلّ على أصالة الإباحة التي هي قسم من أصالة البراءة، وهي البراءة في الشبهات التحريميّة مثلاً. وأين هذا ممّا نحن فيه الذي يكون الدليل فيه على البراءة هو الاستصحاب؟!

وأمّا قوله: إنّ الملازمة إنّما قامت بين براءة وبراءة لا بين استصحاب وبراءة، فلعلّ مقصوده من ذلك هو أنّ المفروض أنّ الإطلاق في الحديث إباحة واقعيّة، فيترتّب على استصحاب عدم صدور النهي الإباحة الواقعيّة ظاهراً لا البراءة، فالحكم الظاهريّ هنا ينحصر في الاستصحاب، بخلاف ما لو كان المقصود من الإطلاق في الحديث البراءة، فإنّه عندئذ كانت تثبت البراءة بالاستصحاب. والإجماع إنّما قام على الملازمة بين البراءتين، ولا يجري فيما هو المفروض من انحصار الحكم الظاهريّ في استصحاب الحكم الواقعيّ. فكأنّ في كلامه(قدس سره)مقدّمة مطويّة، وهي ما ذكرناه من أنّ الإطلاق في الحديث إباحة واقعيّة، فهي المترتّبة على الاستصحاب، فالحكم الظاهريّ منحصر فيه.

والتحقيق: أنّ التعدّي من غير مورد توارد الحالتين إلى مورد توارد الحالتين يرد عليه كلا الإشكالين، أي: يرد عليه:

أوّلاً: أنّ التلازم بين البراءتين لا يوجب ثبوت إحداهما بثبوت الاُخرى



(1) راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 190.