المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

117

والثاني: أنّه على تقدير إجمال الحديث وتردّده بين الرفع الواقعيّ والرفع الظاهريّ نحن نقتنص منه جميع النتائج المطلوبة من معنى البراءة.

والثالث: أنّ الحديث على بعض التقادير ظاهر في البراءة.

أمّا الأمر الأوّل ـ وهو عدم ظهور الحديث في الرفع الواقعيّ ـ فبيان ذلك: أنّ نكتة دعوى ظهور الحديث في الرفع الواقعيّ إنّما هي اشتمال الرفع الظاهريّ على عناية زائدة، وتلك العناية الزائدة يمكن أن تتصوّر بأحد نحوين:

الأوّل: أن يقال: إنّه لو كان الرفع ظاهريّاً لزم كون مصبّ الرفع في الحديث غير مصبّ عدم العلم فيه؛ لأنّ مصبّ عدم العلم هو التكليف الواقعيّ، ومصبّ الرفع هو إيجاب الاحتياط الظاهريّ، وظاهر الحديث وحدة المصبّ فيهما، فيحمل الرفع على الرفع الواقعيّ كي لا نقع في مخالفة ظهور الحديث في وحدة المصبّ.

لا يقال: إنّ المرفوع وإن كان هو الحكم الظاهريّ، لكنّنا لا نفرضه مرفوعاً بقيد كونه ظاهريّاً، بل ذات الحكم يكون مرفوعاً، فالحكم هو متعلّق عدم العلم وهو المرفوع، فقد اتّحد مصبّ الأمرين.

فإنّه يقال: إن اُريد بذات الحكم ذاته بنحو سار في تمام أفراده، لزم رفع الحكم الواقعيّ أيضاً، وهو خلف. وإن اُريد به الحكم بنحو الإهمال، بمعنى أنّ حكماً مّا يكون مرفوعاً وحكماً مّا يكون متعلّقاً لعدم العلم، قلنا: إنّ حكماً مّا ـ أي: حصّة من الحكم ـ الذي تعلّق به الرفع إن كان في الواقع نفس حكم مّا الذي تعلّق به الشكّ وعدم العلم وهو الحكم الواقعيّ، لزم أيضاً رفع الحكم الواقعيّ، وإن كان في الواقع الفرد المرفوع غير الفرد المشكوك، فمصبّ الرفع غير مصبّ الشكّ وعدم العلم، ومجرّد كون كليهما حكماً مّا لا يعني اتّحاد المصبّين، فإنّ حكماً مّا الذي تعلّق به الرفع غير حكم مّا الذي تعلّق به عدم العلم، والحديث ظاهر بأقوى ظهور في اتّحاد مصبّ الأمرين مصداقاً لا مجرّد اتّحادهما في مفهوم حكم مّا.