المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

118

والتحقيق: أنّنا نلتزم بظهور الحديث في وحدة المصبّين، لكن هذا لا يعني التسليم بكون الحديث ظاهراً في الحكم الواقعيّ؛ إذ بالإمكان تطعيم الظاهريّة في نفس الرفع ـ كما هو ظاهر عبارة الكفاية ـ لا في المرفوع، وبيان ذلك: أنّ الحكم الواقعيّ له وضعان: أحدهما نفس جعله الواقعيّ وثبوته في ظرف الشكّ وإن كان المكلّف غير ملزم به ومرخّصاً في تركه، والآخر جعل ثقله على المكلّف ووضعه على عاتقه بمعنى إلزامه بالإتيان به احتياطاً، و في قبال كلّ وضع رفع، فللحكم الواقعيّ رفعان: أحدهما رفعه بمعنى نفيه حقيقة، والآخر رفعه بمعنى تنحية ثقله عن عاتق المكلّف وعدم إلزامه بالعمل به وترخيصه في مخالفة التكليف عند الشكّ، وتطعيم الظاهريّة في نفس الرفع عبارة عن تعلّق الرفع بذلك الحكم بالمعنى الثاني.

الثاني: أن يقال: إنّه إذا طعّمت الظاهريّة في نفس الرفع كان ذلك خلاف ظاهر كلمة الرفع، ومشتملاً على عناية زائدة؛ وذلك لأنّ المعنى الحقيقيّ لرفع الحكم هو نفيه واقعاً لا تنحية ثقله عن عاتق المكلّف وعدم إلزامه به، ولهذا نحمل الرفع على الرفع الواقعيّ الذي ليس الرفع الحقيقيّ فيه بحسب الواقع رفعاً لبعض شؤون الحكم، وإنّما هو رفع حقيقة لنفس الحكم.

والجواب: أنّه لابدّ من إعمال هذه العناية في الرفع وإن فرض رفعاً حقيقيّاً، وهي عناية تعلّق الرفع الحقيقيّ ببعض شؤون الحكم الواقعيّ، وذلك لاستحالة كون العلم بشيء موضوعاً لنفس ذلك الشيء، لا لما مضى من الدور، بل بقطع النظر عن الدور كما بيّنّاه في باب أخذ العلم بالحكم في موضوع ذلك الحكم، فلابدّ أن يكون الرفع الواقعيّ للتكليف بحسب الدقّة راجعاً إلى أخذ العلم بشيء في موضوع شيء آخر، كأخذ العلم بالجعل في موضوع الفعليّة، فبالآخرة قد تعلّق الرفع بنفس متعلّق الشكّ وعدم العلم باعتبار الرفع الحقيقيّ لبعض شؤون ذلك كفعليَّته مثلاً.