المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

149

وهذا البحث يترتّب عليه أثر مهمّ في باب العبادات فيما إذا اضطرّ إلى ترك جزء مثلاً، فلو بنينا على المبنى الأوّل وهو تنزيل المضطرّ إليه منزلة نقيضه، أو اعتباره معدوماً ومرتفعاً صحّ الإتيان بالباقي، فإنّ ترك الجزء الذي تركه اضطراراً وهو الفاتحة مثلاً منزّل منزلة الإتيان به مثلاً ـ بناءً على شمول الحديث للأعدام كما يشمل الوجودات ـ فهذه صلاة واجدة للفاتحة تنزيلاً، أو اعتباراً، فقد تحقّقت بالحكومة توسعة لدائرة الواجب في (أقيموا الصلاة)، فتصحّ الصلاة على القاعدة بموجب حديث الرفع بلا حاجة إلى التمسّك بدليل خاصّ. وإن بنينا على المبنى الثاني ـ وهو المختار ـ من الرفع الحقيقيّ للوجود التشريعيّ، فغاية ما يدلّ عليه الحديث عدم وجوب الصلاة مع الفاتحة، وعدم حرمة ترك ذلك لكونه مضطرّاً إليه. أمّا وجوب باقي الأجزاء فلا يدلّ عليه.

لا يقال: أنّ الفاتحة قد رفع وجوبها الضمنيّ وجزئيّتها ومبطليّة تركها بالاضطرار إلى الترك، فيصحّ الباقي.

لأنّا نقول: إنّ الوجوب الضمنيّ لا يرتفع إلاّ بارتفاع وجوب أصل الواجب الذي هو في ضمنه، فالحديث يدلّ على عدم وجوب الصلاة مع الفاتحة، أمّا وجوبها بلا فاتحة فلا يدلّ عليه، وجزئيّة الفاتحة تنتزع من وجوبها ضمن وجوب الكلّ، وكذلك مبطليّة تركها.

إن قلت: إنّ لترك الفاتحة وجوداً في عالم المبطليّة، ولشرب الإمام الخمر في المثال السابق وجوداً في عالم مبطليّته لصلاة المأموم، وهذا يمكن رفعه حقيقة ولو بتغيير في منشأ انتزاع المبطليّة. وهذا يشبه ما مضى من دعوى شمول الحديث لترك الواجب وإن قلنا إنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه العامّ، مع أنّ ترك الواجب ـ في الحقيقة ـ ليس موضوعاً لحكم شرعيّ، لكنّه بوجه من الوجوه داخل في حساب المولى.