المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

162

لابدّ أن نرى أنّه هل يكون في الرفع بالنسبة لهذا الشخص امتنان أو لا؟ ومن الواضح ثبوت الامتنان في ذلك؛ إذ إنّ رفع ما اضطرّ إليه مثلاً ـ وإن كان بسوء اختياره ـ يريحه ويرفع ثقلاً عن كاهله بلا إشكال، فإخراج هذا الفرض من الحديث بهذه القرينة في غير محلّه.

نعم، الصحيح أنّ فرض الاضطرار بسوء الاختيار خارج عن الحديث في نفسه وبقطع النظر عن هذه القرينة؛ وذلك لأنّ مثل هذا الفعل لا يعدّ اضطراريّاً في قبال أصل الاختيار؛ إذ هو ناشئ عن اختياره وإن كان اضطراريّاً في قبال الاختيار في نفس ساعة الاضطرار، فمن ألقى نفسه مثلاً من شاهق فمات يقال عنه: إنّه قتل نفسه باختياره، لا أنّه هلك اضطراراً ومن دون قدرته، وإن كان بعد إلقاء نفسه لا يكون في الهواء قادراً على إيقاف نفسه وإنجائها من الهلاك. فالمفهوم عرفاً من الاضطرار إنّما هو الاضطرار في قبال أصل الاختيار، لكن هذا البيان ـ كما ترى ـ لا يأتي في باب النسيان، فإنّه يقال عمّا نسيه: إنّه منسيّ حتّى مع فرض كون ذلك بسوء اختياره، فالعرف لا ينفي هنا النسيان كما كان ينفي الاضطرار(1).


(1) لا يبعد أن يقال: إنّ من ألقى نفسه من شاهق فهو في حين الإلقاء قد خالف باختياره دليل حرمة إلقاء النفس في التهلكة، أو دليل حرمة قتل النفس، أو حرمة الإضرار بالنفس. وهذا خارج موضوعاً عن دليل نفي الاضطرار ولو فسّر ذلك بمعنى الاضطرار في ساعة الاضطرار. أمّا لو فرضنا أنّه حين ألقى نفسه من شاهق لم يكن بعدُ قد نزل الحكم بتحريم الإلقاء في التهلكة وقتل النفس وحرمة الإضرار بها، وبعد أن ألقى نفسه نزل الحكم بتحريم الإضرار بالنفس، وبترتّب بعض التبعات على ذلك من كفّارة، أو حدّ، أو تعزير ونحو ذلك، ثمّ سقط على الأرض وانكسرت رجله، كان ذلك داخلاً تحت دليل نفي