المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

209

وهو معلوم ولم يكن الواقع المجهول بنفسه سبباً كافياً للضيق.

ولو فرضنا «ما» مصدريّة زمانيّة فالسعة عندئذ وإن لم تكن مضافة في اللفظ، لكن من الواضح أنّ السعة لابدّ أن تكون متعلّقة بشيء، فهي مضافة إلى شيء في التقدير، فكأنّه قال: (الناس في سعة من الشيء ماداموا لا يعلمون) وظاهر السياق كون متعلّق عدم العلم هو نفس ما تضاف إليه السعة، وعندئذ يأتي هنا نفس التفصيل الذي شرحناه في فرض كون «ما» موصولة. فإن فرضت إضافة السعة إلى الشيء إضافة مورديّة بمعنى أنّ الناس ليسوا في ضيق في مورد شيء ماداموا لا يعلمونه فهذا ينافي دليل إيجاب الاحتياط المثبت للضيق في ذاك المورد. وإن فرضت إضافة السعة إلى شيء بمعنى نفي سببيّته للضيق لم ينافِ الحديث دليل إيجاب الاحتياط؛ لأنّ ذاك الدليل إنّما يجعل إيجاب الاحتياط سبباً للضيق، وهذا لا ينافي فرض عدم كون الشيء الذي لا يعلمونه سبباً كافياً للضيق.

إذن فالمقياس في معارضة الحديث لدليل الاحتياط ليس هو كون «ما» موصولة أو مصدريّة زمانيّة، وإنّما المقياس هو كون الإضافة مورديّة أو سببيّة بالمعنى الذي عرفت، والظاهر منها كونها مورديّة لا سببيّة.

ثمّ إنّ هذا الحديث ـ بناءً على تماميّة دلالته ـ حاله حال حديث الرفع في شموله للشبهة الموضوعيّة وللشبهة الحكميّة بجميع أقسامها. فإن بيّن الأخباريّ حديثاً يدلّ على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة، أو بعض أقسامها لم يمكن للاُصوليّ دفعه بالمعارضة بهذا الحديث، أو حديث الرفع؛ لأنّ دليل الاحتياط عندئذ يتقدّم عليهما بالأخصّيّة. نعم، لو وجد الاُصوليّ حديثاً دالّاً على البراءة في خصوص مورد حديث الاحتياط فتعارضا وتساقطا أفادنا حديث الرفع، أو حديث «الناس في سعة ما لا يعلمون» كعامّ فوقانيّ نرجع إليه وتثبت بذلك البراءة. هذا تمام الكلام في دلالة هذا الحديث.