المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

213

وهذا الإشكال قد يدّعى التخلّص منه بوجوه:

الوجه الأوّل: أن يتمسّك أوّلاً بهذا الحديث في الشبهات التحريميّة المستجدّة، فيدفع به مثلاً احتمال حرمة التدخين، أو ركوب الطائرة، أو التلقيح الصناعيّ، فإنّنا نعرف من الذوق المستكشف من الأخبار الواصلة إلينا أنّه لم يكن المبنى على بيان الإمام للأحكام على موضوعات غريبة مستنكرة خارجة عن الحياة الاعتياديّة للسامعين وقتئذ، فلو فرض أنّ هذه الاُمور كانت حراماً في الواقع فهي حرمة محجوبة عن العباد من قِبل الله ـ تعالى ـ فترفع بهذا الحديث، ثمّ يتعدّى إلى سائر الشبهات بالقطع بعدم الفرق، أو الإجماع عليه.

وفيه: أنّ مثل هذا الحديث إنّما يرد بعد ملاحظة المولى لأغراضه الواقعيّة، فإذا رأى تماميّة ملاك الوضع في المحجوبات منها تكلّم بمثل هذا الكلام، فإن قطعنا بأنّ هناك غرضاً واصلاً إلى مرتبة الحكم وإنّما لم يبيّنه لعدم إمكان بيانه في ذلك الوقت بوجه عرفيّ، ومع هذا تكلّم بهذا الكلام عرفنا من ذلك أنّ ملاك الوضع في ذلك المحجوب هو عبارة عن ملاك البراءة، وأنّ المولى جعل البراءة في ذلك المورد وجاء دور التعدّي إلى سائر الموارد بعدم الفصل. وأمّا إذا احتملنا أنّ تلك الاُمور المستجدّة لا تكون مبغوضة عند المولى أصلاً، أو احتملنا أنّه كان من الممكن بيان المبغوض منها بعموم من العمومات مثلاً، كأن يبيّن مبغوضيّة كلّ ما يضرّ بالبدن الشامل للتدخين مثلاً، بحيث يصبح البيان عرفيّاً، فمن المحتمل عندئذ أن يصدر هذا الكلام من المولى من دون تماميّة ملاك لرفع حرام واقعيّ بالبراءة، لكون حجبه تعالى ـ بمعنى عدم بيانه لغرض من الأغراض ـ مساوقاً عندئذ لعدم ثبوت الحكم واقعاً على طبق ذاك الغرض، وحيث إنّ هذا الاحتمال موجود فلا يمكن التمسّك بهذا الحديث عن هذا الطريق.

الوجه الثاني: أن يتمسّك باستصحاب الحجب؛ إذ كلّ حكم من الأحكام يمرّ