المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

219

إلى المناسبات الارتكازيّة للحكم والموضوع، والقيد في حديث الرفع كان هو عدم العلم، فصحيح أنّ عدم علم الجميع يلازم عدم صدور البيان، وهو حجب مستند إلى الله ـ تعالى ـ لكن الذي اُخذ قيداً في الحكم لم يكن هو الحجب المستند إلى الله بل كان هو عدم علم العبد، والارتكاز العرفيّ يرى أنّ عدم علم كلّ شخص يصلح عذراً لذلك الشخص، ولا علاقة لعدم علم شخص مّا بعذر شخص آخر، ولكن القيد في حديث الحجب كان هو حجب الله ـ تعالى ـ عن العباد، وكما يناسب عرفاً افتراض إرادة كون حجب الله عن كلّ شخص عذراً لذلك الشخص، كذلك يناسب عرفاً كون المقصود أنّ حجب الله عن كلّ العباد المتجسّد في عدم صدور البيان عذراً، فإنّ هذا عذر مفهوم عقلائيّاً، وهو غير عذر البراءة الذي يكون على نحو الانحلال ومقابلة الجميع بالجميع على شكل التوزيع.

وما ذكرناه هي النكتة فيما ترى من أنّه لو قيل: (إنّ عدم مسؤوليّتك تجاه شيء محتمل يتفرّع على كونه ممّا حجب الله علمه عن العباد) كان هذا بياناً عرفيّاً لا حزازة فيه؛ إذ هو في قوّة أن يقال: (إنّ عدم مسؤوليّتك عن شيء محتمل يتفرّع على عدم صدور البيان)، وهذا بخلاف ما لو قيل: (إنّ عدم مسؤوليّتك تجاه شيء محتمل يتفرّع على أن لا تعلم به أنت ولا غيرك)، فهذا تعبير غير مستساغ عرفاً، ويقال في مقابله: إنّه أيّ علاقة لجهل غيري بعذري؟

هذا. ولا يخفى أنّ ما ذكرناه بالنسبة لحديث الرفع إنّما كان بحثاً فيه بالنظر إلى خصوص جملة (رفع ما لا يعلمون). وأمّا إذا نظرنا إلى مجموع الحديث فلا موضوع لهذا البحث؛ إذ إنّ مثل (رفع ما اضطرّوا إليه) لا يعقل التشكيك في انحلاليّته بأن يفترض احتمال أنّ الشرط في (رفع ما اضطرّ إليه زيد) هو اضطرار الجميع، وبوحدة السياق يثبت أنّ (رفع ما لا يعلمون) أيضاً كذلك.