المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

308

وهنا إشكال، وهو أنّ الأمارة فيما نحن فيه لم يطّلع عليها من أوّل آنات العلم الإجماليّ، فإنّ العلم الإجماليّ حاصل من أوّل الأمر، والأمارات توجد بالفحص تدريجاً، فلدينا علم إجماليّ غير منحلّ أحد طرفيه عبارة عن قطعة من الفرد الذي وردت فيه الأمارة، وهي قطعة ما قبل وجدان الأمارة، فيصير ذلك نظير العلم الإجماليّ بتكليفين: أحدهما قصير والآخر طويل.

وأجاب المحقّقون كالمحقّق العراقيّ والمحقّق الإصفهانيّ والسيّد الاُستاذ(1)على ذلك: بأنّ تلك الأمارات كانت منجّزة من أوّل الأمر؛ لأنّ عدم وجداننا لها كان من باب الشبهة قبل الفحص، والشبهة قبل الفحص إذا كانت حكميّة ـ كما هو المفروض ـ يجب فيها الاحتياط.

وهذا الجواب متين، إلاّ أنّ الإشكال عندنا محلول في المرتبة السابقة عليه، فإنّ الإشكال في المقام مبتن على مباني الأصحاب في باب الحكم الظاهريّ من أنّه حكم إنشائيّ ينشأ من الملاك في نفس إنشائه لا الملاك في متعلّقه. أمّا على ما اخترناه من أنّ الحكم الظاهريّ ليس إلاّ عبارة عن إبراز شدّة الاهتمام وعدمها بالأحكام الواقعيّة فلا يرد هذا الإشكال من أساسه.

وتترتّب على هذا الخلاف المبنائيّ بيننا وبينهم ثمرات كثيرة، منها: انتفاء موضوع الإشكال في المقام، وتوضيح ذلك: أنّه بناءً على مبناهم لا يوجد تضادّ بين حكمين ظاهريّين ما لم يصلا إلى المكلّف؛ إذ كلّ منهما ناشئ من ملاك في نفسه، نعم بعد الوصول يتضادّان من ناحية المحرّكيّة. وأمّا بناءً على مبنانا فهما



(1) راجع المقالات، ج 2، ص 69، ونهاية الأفكار، القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 254 و 255، ونهاية الدراية، ج 2، ص 200 و 201، ومصباح الاُصول، ج 2،ص 307 و 308.