المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

312

التهلكة أعظم من جعل الشخص نفسه في معرض الموت والقتل؟ لكنّه بلحاظ المجتمع قد يكون حياة، كما أنّ ترك الجهاد قد لا يكون موتاً وهلاكاً للأفراد بما هم أفراد، ويكون موتاً وهلاكاً للمجتمع بما هو مجتمع؛ إذ يتسلّط عليه أعداؤه ويهدم كيانه ورسالته ومبادئه.

ولا يمكن دعوى الإطلاق في الآية بحيث يشمل كلا قسمي الهلاك، فإنّ كلاًّ منهما يستوجب لحاظاً ينافي اللحاظ الآخر، والإطلاق لا يستوجب الجمع بين اللحاظين، وإنّما يستوجب توسعة دائرة اللحاظ الواحد، فالأمر دائر بين هذين المعنيين.

والظاهر من قوله: ﴿لاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ لو فصل عمّا قبله من الآيات وإن كان هو الأوّل؛ لأنّ اللحاظ المجموعيّ أشدّ عناية ومؤونة في نظر العرف، فمع عدم القرينة عليه ينفى بالإطلاق، إلاّ أنّه يمكن أن يدّعى أنّ وقوع الآية في سياق آيات الجهاد(1) يوجب مناسبته للّحاظ المجموعيّ إمّا بأن يكون المراد منها الأمر بالجهاد، كالآيات التي وقعت قبلها لكنّها رمزت إلى الجهاد بمعنىً



(1) قال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلاَ عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِين﴾. سورة البقرة، الآية: 190 ـ 195.