المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

313

في غاية الجمال وهو أنّ ترك الجهاد هلاك للمجتمع، أو بأن يكون المراد منها تحديد الأمر بالجهاد الذي سبق في الآيات المتقدّمة، أي: أنّها في مقام بيان أنّ الأمر بالجهاد إنّما يكون فيما لو لم يكن الجهاد هلاكاً للمجتمع، وتكون الحرب ـ بحسب مصطلح اليوم ـ حرباً يائسة.

وعلى أيّة حال، فإن حملت الآية على إرادة الهلاك باللحاظ المجموعيّ، فخروجها عمّا نحن فيه في غاية الوضوح. وإن حملت الآية على إرادة الهلاك باللحاظ الفرديّ، فأيضاً لا تدلّ على المقصود؛ وذلك لأنّه إمّا أن يفترض أنّه يوجد في المرتبة السابقة على هذه الآية في الشبهات البدويّة أصل عقليّ أو شرعيّ يؤمّن من العقاب، أو يفرض أنّه لا يوجد ذلك، وأنّه يجب في المرتبة السابقة عليها الاحتياط، وأنّه بقطع النظر عن هذه الآية يكون الاقتحام في الشبهة اقتحاماً في الهلكة والعذاب الاُخرويّ، فإن فرض الأوّل فلا موضوع للآية في تلك الشبهات؛ إذ لا هلاك حتّى ينهى عن الاقتحام فيه، وإن فرض الثاني ـ أعني: ثبوت الهلاك في ارتكاب الحرام الواقعيّ مع الشكّ حتّى يتمّ موضوع التمسّك بالآية ـ فقد ثبت وجوب الاحتياط في المرتبة السابقة على الآية، ولا يكون نفس النهي عن الإلقاء في التهلكة ملاكاً لوجوب الاحتياط.

نعم، لو فرض في مورد من موارد احتمال التكليف وجود احتمال الهلاك الدنيويّ أيضاً ففرضنا في شرب التتن مثلاً أنّه كما يحتمل كونه حراماً كذلك يحتمل كونه مُهلِكاً، فهنا وإن دلّت الآية على وجوب الاجتناب، لكنّها لم تدلّ على الاحتياط في قبال حرمة شرب التتن بما هي شبهة حكميّة، بل دلّت إمّا على حرمة الإلقاء في معرض التهلكة حرمة واقعيّة، أو على أنّ إهلاك النفس بما هو حرام شرعاً، وأنّ إيقاع النفس فيما يحتمل فيه الهلاك يجب فيه الاحتياط بما هي شبهة موضوعيّة، فتكون الآية مخصّصة للبراءة في هذا المورد من الشبهات الموضوعيّة