المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

314

المتّفق على جريان البراءة فيها بين الاُصوليّين والأخباريّين.

الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِه﴾(1).

فقد استدلّ بهذه الآية على وجوب الاحتياط باعتبار أنّها تأمر ببذل الجهد الكامل التامّ في سبيل الله، وذلك ينطوي على الاحتياط في الشبهات البدويّة.

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّه لمّا لم يمكن فرض إرادة الجهاد في الله من دون تقدير شيء، فلابدّ من تقدير شيء، وكما يحتمل أن يكون المقدّر هو الطاعة، كذلك يحتمل أن يكون المقدّر هو النصرة، ويؤيّده أنّ ذلك يناسب مادّة الجهاد المستعمل غالباً في مقام القتال، وإعلاء كلمة الشرع والتبيلغ بأعلى مراتبه الذي يستوجب بذل النفس، وعلى هذا الاحتمال لا علاقة للآية بما نحن فيه.

ومن المحتمل أيضاً أن يكون المقدّر معرفة الله كما فسّر بذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾(2)، ويؤيّد ذلك أمران:

الأوّل: أنّ المقدّر كلّما كان ألصق بالمبرز يكون أقرب إلى الفهم العرفيّ، فمثلاً في ﴿اسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ يقدّر (الأهل) لا الجيران؛ لأنّ الأهل ألصق بالقرية من الجيران، وكذلك في المقام تكون المعرفة بالشيء ألصق بذلك الشيء عرفاً من نصرته، أو طاعته باعتبار أنّ الكشف يُرى بالعناية كأنّه عين المنكشف، وليس بروز الاثنينيّة والتعدّد بين الكشف والمنكشف بقدر بروزها بين الطاعة والمطاع، أو النصرة والمنصور. ولعلّ هذا هو السرّ في أنّه حينما يقصد بالمجاهدة المجاهدة في سبيل معرفة الله لا في طاعته أو نصرته لا يؤتى بكلمة سبيل، أو طريق، أو غير



(1) سورة 22 الحجّ، الآية: 78.

(2) سورة 29 العنكبوت، الآية: 69.