المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

317

في موارد الشبهات البدويّة، فهل حكمت الشريعة فيها بوجوب الاحتياط، أو بأصالة البراءة؟

ثمّ لو تنزّلنا وفرضنا أنّ هذه الآية تناسب محلّ الكلام موضوعاً ومحمولاً ـ أي: أنّها تتكلّم في فرض الشكّ ـ وأنّها ليست بصدد بيان حاكميّة الله والرسول، بل بصدد بيان الحكم الصادر من الله والرسول قلنا: إنّ ردّ الشبهة إلى الله والرسول إمّا يكون بلحاظ الحكم الواقعيّ المشتبه، أو يكون بلحاظ الحكم الظاهريّ المجعول من قِبل الشارع للشبهة، فإن فرض الأوّل فهذا معناه وجوب رفع الشبهة مع الإمكان باستعلام الواقع بالردّ إلى الله ورسوله ـ أي: أنّ الحكم الصادر من الله والرسول في الشبهة قبل الفحص هو وجوب الفحص لا البراءة ـ وهذا لا نزاع فيه، فإنّ الفحص في الشبهة الحكميّة واجب جزماً، وإنّما الكلام في أنّه لو فحصنا ولم نظفر بشيء فماذا نصنع؟ وإن فرض الثاني فمعناه أنّ الحكم المجعول للشبهة يجب استعلامه من الشارع، بمعنى أنّه لو شككنا في أنّ حكم الشبهة هل هو الاحتياط أو البراءة فحكم الشريعة في فرض هذا الشكّ هو وجوب الفحص لا إجراء البراءة قبل الفحص بالدرجة الاُولى المساوقة للبراءة العقليّة، وهذا أيضاً مسلّم بين الاُصوليّين والأخباريّين، والاُصوليّ يدّعي أنّه فحص وانتهى إلى الحكم بالبراءة من قِبل الشارع، فالآية على كلّ حال أجنبيّة عمّا نحن بصدده.

الآية الرابعة: قوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِه﴾(1) بتقريب أنّ هذا أمر بأقصى درجات التقوى وغايته، ومن المعلوم أنّ أقصى درجات التقوى وغايته يشتمل على ترك الشبهات.

ويرد عليه: أنّ التقوى يجب أن يفرض في المرتبة السابقة عليها ما يتّقى منه



(1) سورة 3 آل عمران، الآية: 102.