المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

324

ومن المعلوم أنّ الاهتمام بالدين إنّما يكون بالأخذ بالموازين الموجودة في الدين، فإن فرض أنّ من جملة أحكام الدين هو أصالة البراءة في الشبهات البدويّة، فلا ينافي الاهتمام بالدين أن يترك الإنسان ما يحتمل وجوبه، كما أنّه لا ينافي الاهتمام بالدين أن يترك المستحبّ لأجل الرخصة في تركه.

النقطة الثامنة: أنّ بعض الروايات واردة في موارد خاصّة بحيث لا يمكن التعدّي عنها، فلو فرضت دلالتها على وجوب الاحتياط يقتصر فيها على موردها، وذلك من قبيل ما ورد من أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)بلغه أنّ عثمان بن حنيف(رحمه الله) واليه على البصرة يدعى إلى وليمة مهمّة فيجيب إليها، فبعث إليه برسالة تزجره عن ذلك، ويقول في هذه الرسالة: «أمّا بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجهه فنل منه...»(1).

فالإمام(عليه السلام) عاتب أوّلاً في هذا الحديث ابن حنيف على استجابته لتلك الوليمة باعتبار أنّه من جملة الصحابة ومن أورعهم وأتقاهم، فكان يترقّب في شأنه الترفّع عن إجابة وليمة يراد بها التملّق للأغنياء واحترامهم بما هم أغنياء، ويقصى عنها الفقراء باعتبار فقرهم ومسكنتهم، وبعد العتاب بيّن له الحكم الشرعيّ بقوله: «فانظر إلى ماتقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجهه فنل منه»، فيجعل هذا الكلام دليلاً على وجوب الاحتياط.

إلاّ أنّ هذه الرواية واردة في مورد خاصّ، ويمكن الالتزام بوجوب الاحتياط في هذا المورد، وتوضيحه: أنّ المخاطب بهذا الخطاب كان وليّاً من ولاة المسلمين



(1) الوسائل، ج 18، ب 12 من صفات القاضي، ح 17، ص 116.