المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

327

جعفر(عليه السلام) قال: «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه»(1).

وقد استدلّ بهذه الطائفة على وجوب الاحتياط بعد تنزيل ألفاظ الرواية على ما هو المأنوس من معانيها في البحث العلميّ الدائر بين الفقهاء الاُصوليّين(قدس سرهم)، ولابدّ من مزيد التدبّر في مفاد مفردات هذا الحديث لكي يتّضح الحال إثباتاً ونفياً، وبعد التدبّر في ذلك يظهر عدم دلالة الحديث على المقصود؛ وذلك لوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ ما في الحديث من عقد المقابلة بين الوقوف والاقتحام، والنهي عن الثاني والأمر بالأوّل ليس معناه هو عقد المقابلة بين الإحجام والإقدام ـ أي: الاجتناب والارتكاب والنهي عن الثاني والأمر بالأوّل ـ بل معناه عقد المقابلة بين التريّث والتمهّل في موارد الشبهة والإقدام بلا أناة فيها، فإنّ الوقوف ليس معناه هوالإحجام والإعراض، والشخص حينما يقف في نصف الطريق فهو لم يعرض وإنّما هو واقف، ومعنى وقوفه تريّثه وتمهّله، فالوقوف يستعمل كناية عن التريّث والتروّي. وأمّا من أعرض فهو يرجع عن طريقه لا أنّه يقف في نفس الطريق، هذا حال الوقوف. وأمّا الاقتحام فهو عرفاً ولغة ـ على ما نصّ عليه علماء اللغة ـ عبارة عن الإقدام بلا تروٍّ ولا تدبّر، وبهذا المعنى يناسب جعله في مقابل الوقوف، وليس مطلق الإقدام اقتحاماً.

إذن فالمقصود من الحديث هو عقد الموازنة بين الوقوف عند الشبهة بمعنى التريّث والتمهّل ودراسة تمام الشؤون المرتبطة بذلك الموقف، والاقتحام بمعنى التسرّع في التهلكة بلا دراسة للموقف على ما هو شأن من لا يهتمّ بالدين



(1) الوسائل، ج 18، ب 12 من صفات القاضي، ح 2، ص 112، ونحوه، ح 13 عن أبي شيبة، ص 115.