المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

330

ومن هذا القبيل ما روي عن الباقر(عليه السلام) من أنّه قال: «قال جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله): أيّها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة، ألا وقد بيّنها الله ـ عزّ وجلّ ـ في الكتاب، وبينّتهما لكم في سنّتي وسيرتي، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي، فمن تركها صلح له أمر دينه وصلحت له مروءته وعرضه...»(1)، وقد ساق في هذا الحديث الشبهات والبدع مساقاً واحداً، فهل يكون الشكّ في حرمة شرب التتن شبهة بهذا المعنى وممّا يساق مساق البدع؟!

وتؤيّد هذا المطلب الرواية الاُخرى الواردة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذر، إنّ المتّقين الذين يتّقون الله من الشيء الذي لا يُتّقى منه خوفاً من الدخول في الشبهة»(2)، فالمراد بالشبهة في هذا الحديث ليس هو مشكوك الحرمة، فإنّ ارتكاب مشكوك الحرمة ليس محذوراً احتماليّاً، وخصوصاً أنّه عبّر بالدخول في الشبهة لا بارتكاب المشتبه، فمعنى الحديث هو أنّ كثيراً من العناوين التي تعرض بحسب الخارج وتوجد عناصر الوضوح في رشدها وعدم بطلانها بالمقدار المجوّز شرعاً للاعتماد عليها، بحيث لا مجال لوجوب الاتّقاء فيها، مع ذلك يتّقون منها باحتمال أنّ واقعه باطل وظاهره مزيّف، حيث إنّ الشبهة أوّل ما تظهر تخفى كما ذكر في لسان العرب في حديث عن حذيفة اليماني أنّه يقول في الفتنة: (تشبّه مقبلة وتبيّن مدبرة)(3).

إذن فمدّعي الاطمئنان على أساس هذه القرائن بأنّ الشبهة ذات مصطلح بهذا



(1) الوسائل، ج 18، ب 12 من صفات القاضي، ح 47، ص 124.

(2) جامع أحاديث الشيعة، ج 1، ب 8 من المقدّمات، ح 37، ص 333 نقلاً عن الكافي، وأمالي الطوسيّ.

(3) لسان العرب، مادّة شبه، المجلّد الثاني بحسب الطبعة المقسّمة إلى ثلاثة مجلّدات، ص 266.