المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

331

المعنى في الروايات ليس مجازفاً، وعليه فمن المحتمل قويّاً أن يكون المراد بالشبهة في هذا الحديث هو هذا المعنى، أي: أنّه إذا رأيت شيئاً عليه بظاهره دلائل الرشد وتحتمل كونه مغرياً وملبَّساً فتوقّف عنده، ومعنى وجوب الوقوف عنده هو عدم الاعتماد على هذه الدلائل؛ لأنّها ليست حجّة، ولا تنكره أيضاً من أوّل الأمر؛ إذ لعلّه واقع صحيح، فأنت لا تحجم عنه بأن تقول: هذا باطل جزماً، ولا تعتمد على الشبهة بأن تعتمد على جهة مشابهتها، بل قف عند الشبهة، فإنّ الوقوف والتريّث هنا أولى من اقتحام الهلكة، وهذا مطلب مسلّم صحيح على القاعدة، غير مربوط بما نحن فيه.

الوجه الثالث: أنّه لو سلّمنا أنّ الشبهة في الرواية تكون بمعنى الشكّ المشتمل على احتمال الحلّ واحتمال الحرمة، قلنا: تارةً نفترض أنّ الموازنة المعقودة بين المطلبين في الحديث تكون بلحاظ الاحتمال، واُخرى نفترض أنّها معقودة بلحاظ آثار المحتملين، من قبيل ما لو احتمل المريض كون التفّاح مضرّاً له فقال: (ترك التفّاح خير لي من الابتلاء بالمرض)، فهذه موازنة بلحاظ آثار ذات المحتملين بما هما؛ إذ تترتّب على عدم مضرّيّة التفّاح خسارته لفاكهة غير مضرّة إذا تركه، وعلى مضرّيّته ابتلاؤه بشدّة المرض أو دوامه إذا أكله، فيرى أنّ الأوّل أهون له من الثاني، وفي هذا الحديث قال: «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»، والأثر في جانب المفضول هنا مترتّب على ذات المحتمل حتماً، فإنّ الوقوف عند الشبهة حزازته هي الحرمان عن شيء قد لا يكون هناك موجب للحرمان عنه. وأمّا الأثر في جانب الآخر وهو الهلكة فإن فرض أثراً للاحتمال باعتبار منجّزيّة الاحتمال وجعل وجوب الاحتياط تمّ مدّعى الأخباريّ، لكنّه لا أقلّ من احتمال أن تكون الموازنة بلحاظ ذوات المحتملين فيجب أن يفرض أنّ ذات المحتمل فيه هلكة، من قبيل أنّ ذات أكل التفّاح على تقدير مضرّيّته فيه