المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

344

البخاريّ يستفاد منه ذلك رغم اللام، قلنا: إنّه مع هذا لا يرتبط الحديث بما نحن فيه.

وليس الوجه في كلامنا هذا ما قد يتراءى في بادئ النظر من أنّ صيغة الحديث تختلف أساساً عن الصورة المعطاة من قبل الأخباريّ للمطلب؛ إذ بناءً على قول الأخباريّ يكون حمى الله مركّباً من قسمين: معلوم الحرمة، ومشكوكها؛ لأنّ مشكوكها أيضاً يصبح حراماً بناءً على القول بوجوب الاحتياط، فالشبهات بما هي شبهات تكون داخلة في حمى الله، كشرب الخمر مثلاً، غاية الأمر أنّ مثل شرب الخمر حرام بالحرمة الواقعيّة، واقتحام الشبهة حرام بالحرمة الظاهريّة، والصورة المعطاة من قبل الحديث تناقض ذلك، فإنّ الحمى لم يفرض فيه مشتملاً على الشبهات بما هي شبهات، وإلاّ لم يكن معنىً لفرض أنّ من ارتكب الشبهات قد يقع في الحمى والمعصية وقد لا يقع، وإيجاب الاحتياط حول الحمى خلف؛ إذ بمجرّد إيجابه يدخل في نفس الحمى، ويخرج عن كونه حول الحمى.

أقول: ليس الوجه في منع دلالة الحديث على المقصود هو هذا البيان، فإنّ هذا يرد عليه: إنّ القول بوجوب الاحتياط وتحريم الاقتحام في الشبهة لا يحتّم اعتبار الشبهات داخلة في دائرة الحمى، بحيث يكون الحمى مركّباً من قسمين: من المحرّمات المعلومة، ومن المشتبهات بما هي مشتبهات؛ وذلك لما حقّقنا في محلّه من أنّ إيجاب الاحتياط ليس في الحقيقة إلاّ عبارة عن إبراز المولى بصورة عرفيّة لشدّة اهتمامه بمحرّماته الواقعيّة بحيث لا يرضى باقتحامها ولو في حال الشكّ، فإذا فرض أنّ المولى جعل لنفسه حمىً وهو المحرّمات الواقعيّة، وأبرز شدّة اهتمامه بهذا الحمى بحيث لا يرضى باقتحامه حتّى في حال الشكّ، فحكم العقل بالاحتياط في المورد الذي يشكّ في كونه داخلاً في الحمى، فهذا ليس معناه توسعة دائرة الحمى حتّى يقال: إنّ هذا خلف مفروض الرواية؛ إذ المفروض فيها الحمى هو خصوص المحرّمات الواقعيّة لا المشتبهات.