المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

345

وإنّما الوجه فيما ذكرناه هو أنّ الصورة المعطاة من قبل الحديث للمطلب تختلف أساساً عن الصورة المعطاة من قبل الأخباريّ له، وذلك بتقريب آخر، وهو أنّ الذي يلزم على قول الأخباريّ هو أنّ حمى الله عبارة عن محارمه الواقعيّة سواء كانت معلومة أو مشكوكة، وخارج الحمى عبارة عن الحلال الواقعيّ، والمشتبه مردّد أمرهُ بين كونه من الحمى أو من خارج الحمى، فلابدّ من الاجتناب عنه خوفاً من الوقوع في الحمى باعتبار كونه في الواقع داخلاً في الحمى.

وأمّا الصورة الموجودة في الرواية فهي: أنّ هناك حمىً، وهناك أشياءً خارجة عن الحمى، وهي على قسمين بعضها بعيد عن الحمى وهو الحلال البيّن، وبعضها قريب من الحمى وهو المشتبهات، ولذا سمّيت في الروايات المشتبهات بما حول الحمى، وفرض في مسند أحمد بن حنبل الشبهات غير الحرام فقال: «من ترك الشبهات فهو للحرام أترك»، وأين هذا من الصورة التي تناسب القول بوجوب الاحتياط؟ وإنّما تناسب هذه الصورة فرض اختصاص الحمى بخصوص المحرّمات المعلومة، وأنّ الشبهات قريبة من الحمى باعتبار قرب الشكّ من العلم، والنهي عن ارتكاب المشكوك لئلاّ يتجرّأ الإنسان على المعلوم، وبما أنّ ظاهر هذا النهي هو كونه بعنوان التحفّظ من قِبل نفس العبد، فهو يختصّ بخصوص ما لو احتمل العبد منشئيّة اقتحام الشبهات لاقتحام المحرّمات، وفي مثل هذا الفرض لا بأس بالقول بوجوب الاجتناب بحكم العقل عن المشتبه، سواء استظهرنا وجوب ذلك من الرواية أو لا(1).

 


(1) نقل عن الإمام الخمينيّ(رحمه الله) في تهذيب الاُصول ـ ج 2، ص 260 ـ حمل مثل هذا الحديث على الاستحباب؛ للعلم بعدم حرمة رعي الغنم حول الحمى، وإنّما الحرام رعيه داخل الحمى، بل جعله قرينة على حمل باقي روايات الاحتياط ـ لو تمّت في نفسها ـ