المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

347

والصحّة لم يحتج الإمام(عليه السلام) إلى الاستشهاد بالنبويّ؛ لأنّ ما هو معلوم البطلان وما هو معلوم الصحّة لا يحتاج في مقام بيان ما يؤخذ منهما إلى الاستشهاد بالحديث؛ إذ ذلك من القضايا التي قياساتها معها، في حين أنّ الإمام(عليه السلام)استشهد في المقام بالنبويّ فقال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات، وهلك من حيث لا يعلم».

والتثليث في هذه الرواية مذكور مرّتين: مرّة في كلام الإمام(عليه السلام)، ومرّة في الكلام الذي نقله عن النبيّ(صلى الله عليه وآله).

أمّا التثليث المذكور في كلام الإمام(عليه السلام) وهو قوله: «إنّما الاُمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فمتّبع، وأمر بيّن غيّه فمجتنب، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله»، فهنا قد فرض موضوعات ثلاثة، وجعل لها أحكاماً ثلاثة، وظاهر التقابل هو أنّ هذه الموضوعات متقابلة بحسب أحكامها، فكلّ واحد منها يختصّ بحكم غير حكم الآخر، ولو فسّرنا الردّ إلى الله تعالى ـ الذي هو حكم القسم الثالث، وهو الأمر المشكل ـ بمعنى الترك والاجتناب ـ وهوالمطابق لقول الأخباريّ ـ لكان ذلك عين حكم القسم الثاني، فنعرف أنّ المراد من ذلك ليس هو الاجتناب، بل التوقّف باعتبار أنّ الأمر المشكل له وجهان، فلا يؤخذ بأيّ واحد منهما؛ لأنّ الأخذ بأيّ واحد منهما أخذ بغير حجّة، وهو غير جائز، وهذا السياق كلّه ليس وارداً في معلوم الحلّيّة ومعلوم الحرمة ومشكوكهما، بل وارد في الدلالات والروايات، كما يناسب التطبيق على الروايتين المتعارضتين، فالمقصود: أنّ الدلالة على ثلاثة أقسام: دليل بيّن الصحّة فيتّبع، والتعبير بالاتّباع لا يناسب الحكم، فإنّه لا معنى لاتّباع معلوم الحلّيّة، بل يناسب باب الدلالة والأماريّة، ودليل بيّن البطلان فيجتنب، ودليل ملتبس فيردّ إلى الله ـ أي: لا يؤخذ باحتمال صحّته ولا باحتمال