المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

348

عدم صحّته ـ وهذا مطلب صحيح لا نزاع فيه، ولا علاقة للحديث بما نحن فيه، فإنّه إنّما هو بصدد بيان أنّ الأمر المشكل ذا الوجهين لا يجوز الاعتماد على أحد وجهيه، ونحن أيضاً نقول بهذا المطلب، ونحن حينما نحكم في الشبهات البدويّة بالحلّ لا نحكم به اعتماداً على احتمال الحلّ في قبال احتمال الحرمة، بل نحكم به استناداً إلى (رفع ما لا يعلمون) ونحوه من الأدلّة.

وأمّا التثليث المذكور في كلام النبيّ(صلى الله عليه وآله) الذي استشهد الإمام(عليه السلام)به، فظاهره أنّ نظره في الاستشهاد يكون بلحاظ الأمر البيّن المشكل؛ إذ الأمر الرشد أو الغيّ لا حاجة في معرفة حكمه إلى الاستشهاد بحديث النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وبهذا يتّضح أنّ هذا التثليث أيضاً لا يفيدنا؛ لأنّ المقصود بترك الشبهات في قوله: «مَن ترك الشبهات نجى من المحرّمات» ليس هو الترك عملاً كما يريده الأخباريّ، وإلاّ لم يطابق حكم القسم الثالث في كلام الإمام الذي هو التوقّف، فلا يناسب الاستشهاد به، بل المراد بترك الشبهة هو ترك الأخذ بالدلالة المشتبهة، فيرجع إلى نفس ما قلناه في تفسير كلام الإمام(عليه السلام)، ويؤيّد ذلك قوله: «ومَن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات» حيث عبّر بالأخذ بالشبهة وهو غير ارتكاب الشبهة، فإنّ التعبير بالأخذ يناسب باب الاستدلال والاعتماد.

ثمّ إنّه من العجيب ما يدّعى في الكتب الاُصوليّة من أنّ أخبار التثليث لا تحتاج إلى مراجعة أسنادها؛ لأنّها بالغة حدّ التواتر أو ما يشبه التواتر، مع أنّه لا يوجد لدينا خبر يدلّ على التثليث إلاّ عن ثلاثة فقط: أحدهم نعمان بن بشير المقطوع فساده، والآخر عمر بن حنظلة الذي هو محلّ الكلام والبحث في وثاقته وعدم وثاقته، والخبر الآخر ضعيف سنداً، وكأنّ هذا التوهّم نشأ ـ بعد فرض عدم مراجعة مصادر الرواية ـ من كثرة ذكر حديث التثليث في كتب الاُصول، وكثيراً مّا ينشأ مثل هذه الدعاوى من عدم مراجعة مصادر الرواية، فينبغي مراجعتها حتّى لا يقع الإنسان في مثل هذا الاشتباه.