المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

393

والتحقيق في المقام: أنّ الأمر بالاحتياط تارةً يفرض نفسيّاً، واُخرى يفرض طريقيّاً:

فإن فرض الأمر بالاحتياط نفسيّاً: قلنا: إنّ المبنى في بحث التعبّديّ والتوصّليّ إمّا هو استحالة أخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر، وأنّ الحاكم بلزوم قصد الأمر إنّما هو العقل، أو عدم استحالته، وأنّ قصد الأمر داخل تحت الخطاب.

فإن كان المبنى هو الأوّل: فقد يقال في المقام: إنّ الأمر بالاحتياط هنا غير معقول؛ إذ هذا الأمر إمّا أن يفرض تعلّقه بذات العمل، أو يفرض تعلّقه بالعمل بقصد الأمر. فإن فرض الأوّل كان خلفاً؛ إذ ذات العمل بلا قصد الأمر لا يترتّب عليه الغرض حتّى يتحقّق الاحتياط. وإن فرض الثاني لزم أخذ قصد الأمر في متعلّقه، وبكلمة اُخرى: إنّ الاحتياط أصبح مقيّداً بقصد الأمر، فهو ينحلّ إلى ذات العمل وتقيّده بقصد الأمر، فالأمر به يكون محالاً؛ لأنّه يلزم من ذلك أخذ قصد الأمر في متعلّقه.

ولكنّ هذا مدفوع بأنّنا نختار الشق الأوّل، ولا يرد عليه إشكال. وتوضيحه: أنّ قصد الأمر بالاحتياط وإن كان المفروض استحالة أخذه في متعلّقه لكنّ ذلك الأمر الواقعيّ الذي يحتاط لأجله أيضاً يستحيل أخذ قصده في متعلّقه، فمتعلّق الأمر العباديّ الواقعيّ هو ذات العمل، وحيث إنّ الاحتياط يكون بلحاظ متعلّق الأمر الواقعيّ يكون متعلّق الأمر به أيضاً ذات العمل المحتمل وجوبه، وكما أنّه في الأمر الأوّل بالرغم من تعلّقه بذات العمل عرفنا لزوم قصد الأمر في العمل بحكم العقل من باب تحصيل الغرض، كذلك في الأمر الثاني عرفنا لزوم قصد الأمر بالاحتياط في الاحتياط بحكم العقل من باب تحصيل الغرض. وبهذا يبطل أيضاً التعبير عن الإشكال بأنّ الأمر بالاحتياط عارض على الاحتياط فلا يتقوّم الاحتياط به، فإنّ متعلّقه الذي عرض هذا الأمر عليه عبارة عن نفس العمل، لا العمل بقصد الأمر حتّى يلزم تقوّمه بهذا الأمر.