المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

395

وإن ادّعي الثاني: فلا مانع من أن يتأخّر الاحتياط الخارجيّ رتبة من الأمر به، بل كلّما أوجب بشيء تحرّك العبد نحو ذلك الشيء وإتيانه به، كان ذلك العمل الخارجيّ متأخّراً عن الأمر به ومسبّباً عنه.

وإن ادّعي الثالث: فعليه تكون للدور صورة في المقام؛ إذ يقال: إنّ القدرة على الاحتياط متوقّفة على فعليّة الأمر؛ لأنّ المفروض أنّه يشترط فيه قصد الأمر، وفعليّة الأمر متوقّفة على القدرة على الاحتياط توقّف المشروط على شرطه وفعليّة الحكم على موضوعه، فيلزم الدور، وهذا بنفسه أحد ألوان الإشكال في مبحث أخذ قصد الأمر في متعلّقه.

والجواب: أنّ اشتراط الأمر بالقدرة على المتعلّق إنّما هو بحكم العقل، وحكم العقل في المقام يكون بملاك أنّه مع عدم القدرة يستحيل التحريك، فيكون الأمر لغواً حينئذ، وبحسب الحقيقة يكون الأمر مشروطاً بقابليّته للتحريك، وقابليّته للتحريك إنّما هي موقوفة على القدرة من غير ناحية الأمر ـ أي: أنّ المانع من الأمر ليس هو طبيعيّ العجز، بل تلك الحصّة من العجز التي لا ترتفع بالأمر ـ ولذا لو كان نفس توجّه الأمر بالمشي إلى المشلول مؤثّراً تكويناً في برء شلله لم يكن مجال لتوهّم بطلان هذا الأمر أصلاً.

وإن فرض الأمر بالاحتياط طريقيّاً: فصحّة الاحتياط هنا وعدمها تتوقّف على فهم ما هو المراد من لزوم قصد الأمر الجزميّ. فإن كان المقصود الأمر الحقيقيّ الجزميّ فهنا ليس لنا أمر جزميّ؛ إذ أمر ذات العبادة مشكوك، والأمر بالاحتياط طريقيّ روحه وجوهره هو الأمر بذات العبادة المفروض كونه مشكوكاً. وإن كان المقصود مطلق الأمر الجزميّ ـ ولو كان طريقيّاً ـ لا يوجد له مبادئ في متعلّقه، فهذا الأمر ثابت هنا فيصحّ الاحتياط بلحاظه.

هذا ما يقتضيه تحقيق الكلام في المقام الثاني.