المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

414

تارةً يكون من باب تفريعه على داعيه، كما تقول: (وجب عليّ كذا ففعلت)، حيث إنّ الوجوب داع للفعل، واُخرى يكون من باب تفريعه على موضوع داعيه، كما تقول: (دخل الوقت فصلّيت)، حيث إنّ الداعي إلى الفعل هو الأمر به ووجوبه، ويكون الوقت موضوعاً لذلك الأمر والوجوب، ففيما نحن فيه أيضاً نقول: تارةً يتفرّع العمل على البلوغ من باب تفريع الشيء على داعيه بأن يكون نفس هذا البلوغ داعياً إلى العمل، وهذا هو الحصّة الانقياديّة، واُخرى يتفرّع على البلوغ من باب تفرّع الشيء على موضوع داعيه بأن يكون الداعي إليه هو الاستحباب الذي يكون موضوعه البلوغ.

ويرد عليه: أنّه وإن كان الأمر كما ذكره ـ أي: أنّ تفرّع العمل على شيء يتصوّر له فردان ـ لكنّ الفرد الثاني لا يمكننا إحرازه بنفس أخبار (مَن بلغ)، وتوضيح ذلك: أنّ أخبار (مَن بلغ) جعلت العمل المتفرّع على البلوغ موضوعاً لترتّب الثواب، حيث قال: (مَن بلغه ثواب فعمله)، ففرّع العمل بالمعنى الحرفيّ على البلوغ، ولنقلب ـ لأجل التوضيح ـ المعنى الحرفيّ إلى المعنى الاسميّ، فلنفترض أنّ الحديث هكذا: (العمل المتفرّع على البلوغ يترتّب عليه الثواب)، وعندئذ نقول: إنّ العمل المتفرّع على البلوغ له فردان: فرد يقينيّ وهو العمل الانقياديّ وبداعي البلوغ، وفرد مشكوك وهو العمل بداعي حكم البلوغ الذي هو الاستحباب، وهذا الفرد مشكوك بقطع النظر عن أخبار (مَن بلغ) بمشكوكيّة أصل الاستحباب، ومن المعلوم أنّه لا يمكن إثبات ذلك بنفس هذه الأخبار بالتمسّك بإطلاقها، فإنّ ثبوت الإطلاق لها فرع ثبوت هذا الفرد، فكيف يثبت ذلك بالإطلاق؟ فذلك من قبيل أن يتمسّك بإطلاق قول: (أكرم العالم) في فرد شككنا في كونه عالماً زائداً على الأفراد المعلومة، وهذا غير ما مضى من الإشكال على النقطة الاُولى من لزوم التمسّك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة