المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

422

على الإطلاق يوجب تحرّك العبد نحوه ولو لم يوجد في نفسه داع قربيّ، بأن أتى بذلك العمل لأجل الثواب صِرفاً، نظير عمل الأجير من دون داعي القربة أصلاً. نعم، في خصوص المستحبّات التعبّديّة لابدّ من قصد القربة. وأمّا في المستحبّات التوصّليّة وهي أكثر المستحبّات فيتحقّق الغرض بالعمل بها ولو بدون القربة.

ولكنّ هذا الكلام غير صحيح، فإنّ أصل الاستحباب النفسيّ الذي بلغ بالخبر الضعيف مثلاً لم تكن له محرّكيّة بهذا النحو؛ لما هو محقّق في الفقه من عدم ترتّب الثواب على المستحبّات ولو كانت توصّليّة، إلاّ إذا اُتي بها بداعي القربة، فالمحرّكيّة المولويّة في نفس تلك المستحبّات الواقعيّة ليست بأزيد من هذا المقدار. وأمّا المصلحة التكوينيّة المترتّبة على العمل بذاك المستحبّ ولو من دون قربة لو كانت مصلحة شخصيّة لا نوعيّة، فليست محرّكيّتها من المحرّكيّات المولويّة، ومن المعلوم أنّ الحكم الطريقيّ ليس شأنه التحفّظ على الأغراض الواقعيّة الثابتة في الأحكام النفسيّة بأزيد ممّا تقتضيه نفس تلك الأحكام من التحفّظ والتحريك، وإنّما شأنه تدارك نقص التحريك المولويّ الثابت في ذلك الحكم النفسيّ الحاصل بواسطة الشكّ فيه.

ثمّ لو فرضنا أنّ الثواب في تلك المستحبّات الواقعيّة يترتّب على العمل ولو من دون قربة، فعندئذ لا وجه لدعوى أنّ الثواب في أخبار (مَن بلغ) مختصّ بفرض القربة، فيصبح تقييد العمل في هذه الأخبار بكونه بداعي القربة أوّل الكلام(1).

فالمتحصّل من البحث: أنّ أخبار (البلوغ) عندنا باقية على إجمالها بين الاستحباب النفسيّ والحكم الطريقيّ، وإنّما الثابت لنا إجمالاً هو أنّ الشارع قد



(1) وبكلمة اُخرى: لو لم يكن الثواب في مفاد خبر الضعيف استحقاقيّاً فكذلك لا نكتة لحمل الثواب في أخبار (مَن بلغ) على الثواب الاستحقاقيّ.