المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

428

المقام الثالث: في أنّه إذا دلّ خبر على استحباب شيء وخبر آخر على كراهته، فما هو مفاد أخبار (مَن بلغ) بالنسبة لهذا المورد؟

ذكر السيّد الاُستاذ: أنّه بناءً على القول باختصاص أخبار (مَن بلغ) بروايات الاستحباب يكون الثابت هنا استحباب العمل بعنوان البلوغ، وليس هناك أيّ معارض أو مزاحم لذلك؛ لأنّ المفروض أنّ أخبار (مَن بلغ) لم تشمل تلك الرواية الضعيفة الدالّة على الكراهة. وأمّا بناءً على القول بعدم اختصاص أخبار (مَن بلغ) بروايات طلب الفعل فعندئذ قد يقال: لا مانع من شمولها لكلتا الروايتين، فيثبت استحباب كلّ من الفعل والترك، إلاّ أنّهما يتزاحمان ولا ضير في ذلك؛ إذ ما أكثر المستحبّات المتزاحمة.

لكنّ الصحيح هو التفصيل بين ما لو كان الخبران الضعيفان دالّين على الحكم التوصّليّ وما لو كان أحدهما ـ على الأقلّ ـ دالّاً على الاستحباب التعبّديّ، ففي الأوّل يقع التعارض ـ لا محالة ـ بين دلالتي أخبار (مَن بلغ)؛ إذ لا يعقل جعل الاستحباب للفعل وللترك معاً؛ لأنّه تلزم من ذلك اللغويّة؛ إذ يستحيل أن يتفاوت حال العبد بعد الأمر عنه قبل الأمر، فإنّه ـ على أيّ حال ـ لا يقدر على الجمع بين الفعل والترك، وصدور أحدهما منه ضروريّ، فيقع التنافي بين الجعلين، وذلك يوجب التعارض في عالم الإثبات والدلالة. نعم، إذا كان أحدهما ـ على الأقلّ ـ تعبّديّاً لم يكن بينهما تعارض؛ إذ الفعل القربيّ مثلاً مع الترك ضدّان لهما ثالث، فيختلف حال العبد بعد الأمر عنه قبله؛ إذ يمكنه ترك كليهما واختيار الثالث، فالأمر يحرّكه نحو الجامع بينهما. هذا ما أفاده السيّد الاُستاذ في المقام(1).

ويرد عليه:

أوّلاً: منع شمول أخبار (مَن بلغ) للرواية الدالّة على الاستحباب المعارضة



(1) راجع الدراسات، ج 3، ص 194 ـ 195.