المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

432

وثالثاً: أنّ أصل التفصيل الذي ذكره في غير محلّه، فإنّه إذا فرض أحدهما تعبّديّاً والآخر توصّليّاً وقع أيضاً التعارض بينهما، لا أنّه يتحقّق مستحبّان متزاحمان من قبيل مزاحمة زيارة أحد الإمامين لزيارة الإمام الآخر مع استحباب كلّ من الزيارتين؛ وذلك لأنّه إمّا أن يفرض أنّ هذين المستحبّين المتزاحمين مستحبّان بنحو الترتّب، أو يفرض أنّهما مستحبّان بنحو الإطلاق، أو يفرض أنّهما فردان لمستحبّ واحد بأن يكون المستحبّ هو الجامع بينهما.

فإن فرض الترتّب، قلنا: إنّ هذا إنّما يعقل في سائر الموارد التي تكون كزيارة الإمامين، فيعقل استحباب زيارة كلّ من الإمامين في فرض عدم زيارة الآخر. أمّا فيما نحن فيه فلا يعقل أن يكون مثلاً الترك مستحبّاً والفعل مستحبّاً قربيّاً على نحو الترتّب، فإنّ معنى ذلك أنّ الفعل مستحبّ قربيّ في فرض عدم الترك، وفرض عدم الترك مساوق لفرض الفعل، في حين أنّه إذا فرض الفعل في المرتبة السابقة على الإتيان به قربيّاً استحال تعلّق داعي القربة به؛ إذ هو في هذا التقدير ضروريّ الوجود بالفرض. نعم، لو كان كلّ من الفعل والترك قربيّاً لم يأتِ هذا الإشكال؛ لأنّ فرض عدم الترك القربيّ ليس مساوقاً لفرض الفعل.

وإن فرض أنّ كلاًّ منهما مستحبّ حتّى على تقدير الآخر بأن يقال: إنّ الترتّب إنّما التزمنا به في الواجبات المتزاحمة دفعاً لمحذور التكليف بغير المقدور وإحراج المكلّف، وأمّا في المستحبّات المتزاحمة فلا إحراج في البين، لجواز الترك، فنلتزم بإطلاق استحبابها وثبوت استحباب كلّ منهما على تقدير الإتيان بالآخر، قلنا: إنّ الإطلاق في باب المستحبّات المتزاحمة غير معقول بلا فرق بين كونها توصّليّة أو تعبّديّة أو مختلفة، بل لابدّ من الترتّب، فإنّ إطلاق الأمر بشيء لفرض اشتغال المكلّف بضّد ذلك الشيء مساوق لتحريك المكلّف وصرفه عن ذاك الضدّ إلى هذا العمل المأمور به، فإذا فرض ذاك الضدّ أيضاً مأموراً به ومستحبّاً لا