المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

442

إنّما هو بيان الكبرى، وأمّا بيان أنّ هذا خمر مثلاً أو خلّ، فليس من شأن المولى، وذهب الأكثر إلى جريان البراءة في الشبهات الموضوعيّة، ولهم في دفع كلام اُولئك الأوّلين مسلكان:

أحدهما: ما ذكره بعضهم من الكلام في معنى لفظ (البيان) من أنّ البيان معناه الإظهار، وظهور الشيء إنّما يكون بظهور كبراه وصغراه معاً، وفي الشبهات الموضوعيّة لم تظهر الصغرى وإن ظهرت الكبرى، فلم يتمّ بيان النتيجة، فكأنّ هؤلاء وقعوا تجاه نصّ في الكتاب أو السنة فأرادوا تفسيره.

وثانيهما: ما ذكره بعضهم من دعوى ثبوت ملاك البراءة في الشبهات الحكميّة في موارد الشبهات الموضوعيّة أيضاً. وتقريبه: أنّ ملاك قبح العقاب بلا بيان ليس هو تقصير المولى في مقام البيان حتّى يقال: إنّ في موارد الشبهات الموضوعيّة لا تقصير من جانب المولى، وإنّ بيان الموضوع ليس من شأن المولى، وإنّما ملاكه هو عدم المقتضي للتحريك الذي هو العلم، وهذا ثابت في الشبهات الموضوعيّة أيضاً، لعدم العلم، فيقبح العقاب لعدم المقتضي للتحريك.

أقول: إنّنا نستفيد من نفس اختلافهم في ذلك تأييد عدم بداهة هذه القاعدة، فإنّ المفروض عند القائلين بالبراءة العقليّة في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة معاً أنّ جريانها فيهما بملاك واحد، فلا يعترفون بالملاك الذي أدركه القائلون باختصاص البراءة بالشبهات الحكميّة، والقائلون بالاختصاص لا يعترفون بهذا الملاك العامّ، فهذا يؤيّد عدم بداهة شيء من الملاكين، وبالتالي يشهد لعدم بداهة قاعدة قبح العقاب بلا بيان. أمّا تعليقنا على نفس الكلامين:

فالكلام الأوّل ـ كما ترى وكما أشرنا إليه ـ: كأنّه افترض أنّنا تجاه نصّ شرعيّ اُخذ في موضوعه عدم البيان فأصبح بصدد تفسير كلمة (البيان)، في حين أنّنا تجاه حكم عقليّ نتكلّم في حدوده، ولا أثر لفهم المعنى اللغويّ لكلمة (البيان) في ذلك.