المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

443

وأمّا الكلام الثاني ـ وهو ثبوت الملاك الذي هو عدم المقتضي في الشبهات الموضوعيّة ـ: فتحقيق الكلام في هذا المقام على الإجمال ـ وقد مرّ تفصيله فيما مضى ـ هو: أنّه ينبغي أن يكون المقصود بالمقتضي للتحريك هو المقتضي المولويّ، فمرجع القاعدة إلى قاعدة قبح العقاب بلا مقتض مولويّ للتحريك، ونحن نؤمن بقاعدة قبح العقاب بلا مقتض ونعترف ببداهتها، والمقتضي المولويّ للتحريك عبارة عن تنجّز التكليف بحكم العقل، فمرجع هذه الصيغة إلى صيغة اُخرى وهي قبح العقاب بلا تنجّز للتكليف، وكلّ هذه العبارات كقولنا: (قبح العقاب بلا مقتض)، (قبح العقاب بلا موجب)، (قبح العقاب بلا تنجيز) صحيحة، إلاّ أنّه يجب الالتفات إلى صغراها، وهي أنّه في فرض الشكّ هل يكون المقتضي للتحريك ثابتاً أو لا؟ وهذه الصغرى لاتنقّح بتلك الكبريات، وتنقيحها يكون بالالتفات إلى نقطة أغفلوها في المقام رأساً وهي ملاحظة دائرة المولويّة، وأنّها هل تشمل التكاليف المشكوكة أو لا؟

والمولويّات العرفيّة في المجتمعات البشريّة حيث إنّها مجعولة يجب أن يرجع في فهم سعتها وضيقها إلى جاعلها، وهي عادةً مختصّة بدائرة التكاليف المعلومة، ومن هنا نشأ توهّم قاعدة قبح العقاب بلا بيان بقول مطلق، ومولويّة الخالق المنعم المتفضّل مولويّة حقيقيّة ذاتيّة يجب أن يرجع في فهم سعة دائرتها وضيقها إلى العقل العمليّ الذي هو الحاكم بأصل مولويّته، وليست سعتها وضيقها أمراً برهانيّاً، كما أنّ أصلها لم يكن برهانيّاً، بل كلّ ذلك يجب أن يدرك ببداهة العقل العمليّ، ونحن ندرك بعقلنا العمليّ وجوب الموافقة وحرمة المخالفة بمجرّد احتمال التكليف إذا احتمل أنّ التكليف على تقدير وجوده يكون مهمّاً بدرجة لا يرضى المولى بتفويته حتّى في ظرف الشكّ.