المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

467

وليس الفعل عندئذ مبغوضاً إلاّ بنحو مبغوضيّة نقيض المطلوب، وقد يكون الفعل مانعاً عن حصول مفسدة، فيكون تركه مبغوضاً عند فرض وجود المقتضي، أو فرض احتياط المولى من جانب المقتضي ـ أي: العمل باحتمال وجوده احتياطاً ـ فيكون الترك مبغوضاً، لكونه موجباً للمفسدة على حدّ موجبيّة عدم المانع للمعلول، ولا يكون الفعل عندئذ محبوباً إلاّ بنحو محبوبيّة نقيض المبغوض.

هذا، وفي جانب الترك يأتي جميع ما ذكرناه من الأقسام، فقد يتعلّق الحكم بترك الطبيعة، واُخرى بترك الوجود الأوّل... وما إلى ذلك من الأقسام. والكلام فيها عين الكلام فيها في جانب الفعل، إلاّ في القسم الأوّل،فهنا نخصّ القسم الأوّل بالذكر فنقول:

إذا تعلّق الحكم بترك الطبيعة ثبت الفارق الأوّل بين الأمر والنهي، ولكنّه معاكس له في فرض تعلّق الحكم بالفعل، فالأمر هنا قائم مقام النهي هناك؛ لأنّه تعلّق بالترك، ولا تترك الطبيعة إلاّ بترك تمام أفرادها، والنهي هنا قائم مقام الأمر هناك؛ لأنّه تعلّق بالترك، وترك الترك مساوق للفعل وإيجاد الطبيعة، والطبيعة توجد بوجود فرد واحد منها.

وأمّا ما أبديناه من الفارق الثاني ـ وهو أنّ تعلّق النهي بالطبيعة يستلزم الانحلال بخلاف الأمر ـ فلا يجري هنا، فلا يقال: إنّ تعلّق الأمر بترك الطبيعة يستلزم الانحلال. والسرّ في ذلك: أنّ الأمر يكشف عن المصلحة، ومن المحتمل قيام المصلحة بمجموع التروك، وعندئذ ـ لا محالة ـ يطلب المولى مجموع التروك، وهذا بخلاف جانب المفسدة، فإنّها إذا تعلّقت بالمجموع لم يكن المبغوض للمولى إلاّ الفرد الأخير، وبكلمة اُخرى: إنّ وجود المصلحة يتوقّف على وجود جميع أجزاء علّته، فيتعلّق طلب المولى بجميع أجزاء علّته، وعدم المفسدة لا يتوقّف إلاّ على عدم الجزء الأخير من العلّة، فالجزء الأخير من العلّة هو الذي يتركّز فيه التحريك المولويّ نحو إعدامه ومبغوضيّة المولى إيّاه.