المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

48

وترتّب على ذلك منطقيّاً القاعدة المضايفة لقاعدة حجّيّة القطع ـ وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ إذ لمّا كانت الحجّيّة من ذاتيّات القطع بما هو كاشف تامّ، فبانعدام الكشف التامّ تنعدم الحجّيّة لا محالة، ولا معنى لكون ذاتيّ شيء ثابتاً في ذات شيء آخر، ومعنى انعدام الحجّيّة هو كون العقاب قبيحاً؛ لأنّ العقاب بلا حجّة قبيح، فبهذا ترتّبت القاعدة الثانية، وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

ومن هنا التزموا بأنّ الظنّ يستحيل أن يكون حجّة من دون جعل؛ لأنّ حجّيّته بنفسه خلف قاعدة قبح العقاب بلا بيان وتخصيص لها، وتخصيص القانون العقليّ غير معقول، وحصول غير الذاتيّ بلا سبب أيضاً غير معقول.

وتفرّع على ذلك في تفكيرهم الاُصوليّ أنّهم حاروا في أنّه كيف تصبح الأمارات منجّزة مع أنّها ليست إلاّ ظنوناً، واللابيان الذي فرض موضوعاً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ثابت عندها. وتخصيص القاعدة العقليّة محال. وثبوت غير الذاتيّ بلا سبب محال. ومن هنا التزموا بأنّ الأمارات قد جعلت فيها البيانيّة والطريقيّة، ونشأت من هنا مباني جعل الطريقيّة والكاشفيّة بعرضها العريض الذي تكلّم عنه المحقّق النائينيّ(رحمه الله) وغيره من المحقّقين، كلّ ذلك لأجل أن يقولوا: إنّ منجّزيّة الأمارة تكون من باب رفع موضوع القانون العقليّ، ومن باب التخصّص لا التخصيص؛ لأنّ الشارع جعل الأمارة كاشفاً تامّاً، وعلماً، فلا محذور في تنجّز الواقع به. وتحيّروا بنحو أشدّ في باب الاُصول التي لا يقال فيها بجعل العلم والبيان(1)، حتّى أنّ الشيخ الأعظم(قدس سره)ذهب إلى أنّ العقاب عند وجوب الاحتياط



(1) نعم، قال المحقّق النائينيّ(رحمه الله) في الاُصول التنزيليّة: إنّها جعلت علماً بلحاظ الشأن الثالث من شؤون العلم، فلو كفى هذا لرفع اللابيان، وقلنا بأنّ المستفاد من (لا تنقض اليقين) التعبّد بالكاشفيّة، فماذا يقال في الاُصول العمليّة غير التنزيليّة؟!