المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

92

فتقيّد الآية بإخراج الثالث عنها بأخبار الاحتياط، ولكنّ لمّا كانت الآية بنفسها مختصّة بما بعد الفحص فأخبار الاحتياط ـ ولو فرض اختصاصها بالشبهات الحكميّة التحريميّة ـ تكون أعمّ من وجه من الآية؛ إذ ما قبل الفحص ليس داخلاً في الآية، وهو داخل في إطلاق أخبار الاحتياط، بل هو قدر متيقّن منها.

وأمّا الآية الثانية ـ وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ ـ: فقد عرفت أنّها إنّما تدلّ على البراءة في فرض عدم صدور البيان بمعنى أصل الإبراز، وبمجرّد احتمال صدور البيان يرتفع موضوع التمسّك بها فضلاً عن ورود دليل على الاحتياط(1).

وأمّا الآية الثالثة ـ وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُون﴾ ـ: فبالنسبة للسؤال الأوّل نقول: إنّها مختصّة بالشبهة الحكميّة؛ لما فيها من جعل الغاية البيان الظاهر في الخطاب الذي هو في دائرة الأحكام، فيكون ذلك قرينة على كون المغيّى هي البراءة في الشبهات الحكميّة.

وبالنسبة للسؤال الثاني قد يقال: إنّها مختصّة بالشبهة التحريميّة؛ لأنّ الاتّقاء بمعنى الاجتناب المطعّم بالتحذّر والتخوّف، والاجتناب يطلق عرفاً في باب الأفعال، وشموله للاجتناب عن الترك يحمل مؤونة زائدة.



(1) وبعد فرض التسليم تكون الآية مخصوصة بما بعد الفحص، فإنّ بعث الرسول ليس كناية عن الوصول النهائيّ، بل كناية عن حصول البيان في معرض الوصول بحيث لو فحص لوجد البيان، فإنّ هذا هو شأن الرسول، وليس شأنه الإيصال النهائيّ، والآية مطلقة للشبهات الوجوبيّة والتحريميّة، ومختصّة بالشبهات الحكميّة؛ لأنّ شأن الرسول إنّما هو تبليغ الحكم، إلاّ إذا قطعنا بالتعدّي إلى الشبهات الموضوعيّة كما قطعنا بالتعدّي من الرسول إلى مطلق البيان، وعهدة دعوى القطع بالتعدّي على مدّعيه.