المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

141

ما في مقابله من الكسر الضئيل ليس منجّزاً أو معذّراً، فحجّيّة الاطمئنان فيما نحن فيه إنـّما معناها أنّ احتمال النجاسة بمقدار الواحد من ألف الذي هو في قبال أقلّ درجات الاطمئنان -حسب الفرض- ليس منجّزاً، وهذا لا يعني أنّ احتمال نجاسة أحد إنائين مثلاً من تلك الآنية الذي قيمته اثنان من ألف ليس منجّزاً، فالمكلّف لا يجوز له شرب إنائين من تلك الآنية، اعتماداً على الحجّيّة العقلائية للاطمئنان، فإنـّه لو فعل كذلك فقد خالف ـ أيضاً ـ احتمال نجاسة أحد الإنائين الذي هو بمقدار اثنين من ألف، وهو بقطع النظر عن أدّلّة الاُصول منجّز، وليس قد خالف فقط احتمالين قيمة كل واحد منهما واحد من ألف، حتى يقال: إنـّنا مأمونون في قبال كل واحد من هذين الاحتمالين. وهذه نتيجة النقص الذي كان في أصل تكوّن الاطمئنان، وانعكس على مرحلة الانكشاف، والآن قد انعكس على مرحلة الحجّيّة أيضاً، وقد تحصّل: أنّ مقتضى حجّيّة الاطمئنانات هو جواز شرب إناء واحد.

وهنا كلام: وهو أنـّه لو فرض كون العلم الإجماليّ مقروناً بالشكّ البدوي، بنحو لم يحصل الاطمئنان بالطهارة في كلّ فرد من الأفراد، كما لو كنّا نحتمل نجاسة الجميع احتمالاً منافياً للاطمئنان، وفرض عدم تعيّن واقعي للمعلوم بالإجمال، كما لو كان العلم الإجماليّ وليداً للاحتمالات الثابتة في الأطراف، فعندئذ يمكن أن يتخيّل أنـّه لا معنى للقول بجواز شرب إناء واحد تمسّكاً بحجية الاطمئنان؛ إذ لا اطمئنان بطهارة ايّ فرد من الأفراد، ولا بعدم انطباق المعلوم بالإجمال عليه؛ إذ لا تعيّن للمعلوم بالإجمال حتى في الواقع.

وحلّ المطلب هو: أنّ العلم الإجماليّ -لو فرض الجميع مثلاً حراماً في الواقع- قد نجّز علينا حرمةً واحدة بهذا العنوان، أي: بعنوان الحرمة الواحدة، لا بعنوان ينطبق على خصوص بعض الأفراد في الواقع، حتى يقال: إنـّه لا تعيّن له. وأمـّا باقي الحرمات فهي داخلة تحت الاُصول المؤمّنة؛ ولذا لو شرب الجميع لم يعاقب إلاّ بعقاب واحد، وإذا كان المقدار المنجّز ذلك جاز له شرب إناء واحد، إذ لو شربه لا يحتمل احتمالاً معتدّاً به عدم امتثال حرمة واحدة، بل يكون مطمئنّاً بامتثالها، والمفروض أنـّه لم يتنجّز عليه أكثر من هذا المقدار.

هذا، وقد تحصّل: أنّ الوجه الصحيح في عدم تنجيز العلم الإجماليّ إذا كانت الشبهة غير محصورة أمران:

أحدهما: عدم ثبوت محذور ارتكاز مخالفة الترخيص في الاُصول للمعلوم