المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

146

القدرة على المخالفة القطعيّة بالجمع وعدمها، وهنا ذكر المحقق العراقي (قدّس سرّه): أنـّه بناءً على هذا لا تجري الاُصول؛ لأنّ هذا داخل في باب الشكّ في القدرة، وفي باب الشكّ في القدرة لابدّ من الاحتياط(1).

أقول: هذا الكلام منه (قدّس سرّه) من الغرائب، فإنّ كون الشكّ في القدرة مورداً للاحتياط إنـّما هو بأحد معنيين :

الأوّل: أنـّه إذا شكّ الإنسان في قدرته على الامتثال يجب عليه التصدّي للامتثال والانشغال في هذا الطريق إلى أن يحصل له اليأس، في قبال فرض احتمال عدم القدرة على الامتثال معذِّراً عن هذا العمل.

والثاني: أنـّه إذا شكّ الإنسان في قدرته على العصيان، وأنـّه هل يقدر مثلاً على إطلاق الرصاص بهذه الآلة المخصوصة، فيقتل زيداً أو لا ؟ فليس له أن يصير في طريق إطلاق الرصاص، ويحاول إطلاقه بالضغط على تلك الآلة، ونحو ذلك، في قبال فرض احتمال عدم القدرة على العصيان معذِّراً ومجوِّزاً لمثل هذا العمل الذي يحتمل ترتّب القتل عليه.

وشيء من هذين المعنيين غير مربوط بما نحن فيه: أمـّا الأوّل فواضح، فإنّ المفروض فيما نحن فيه ليس هو عدم القدرة على الامتثال، بل هو قادر على ترك الجميع ليحصل الامتثال القطعي، وإنـّما المفروض هو عدم القدرة على العصيان القطعي.

وأمـّا الثاني فلأنّ العصيان القطعي فيما نحن فيه إنْ صدر منه، فإنـّما يصدر منه بعد أن يزول الشكّ في القدرة وعدمه، وذلك حيث إنـّه يرتكب الأطراف بالتدريج إلى أن يبقى مقدار يرى أنـّه قادر على ارتكابه، لا أن يبقى الشكّ إلى زمان حصول العصيان القطعي؛ لكون ذلك أمراً مترتّباً على عمله قهراً، من دون اطّلاع منه على أنـّه هل سوف يترتّب أو لا، نظير مثال ترتّب القتل على الضغط على آلة الرصاص حتى يقال: إنّ هذا الشكّ مؤمّن أو ليس بمؤمّن .

ثم لو فرض دخول ما نحن فيه في باب الشكّ في القدرة على الامتثال، أو في القدرة على العصيان، فلزوم الاحتياط إنـّما هو حكم ظاهري، وليس حاله حال الحكم الواقعي الذي لم يكن يمكن عقلاً الترخيص في مقابله، فهذا لا يمنع عن جريان الاُصول في الأطراف؛ إذ ليس محذور عقلي في رفع اليد عن هذا الاحتياط،


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من ج 3، ص 335.