المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

155

انحلال أحدهما بالآخر، كما لو علم بنجاسة الإناء الأبيض أو الأسود، وعلم ـ أيضاً ـ في نفس الوقت بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر في نفس زمان المعلوم الأوّل، فإنّ العلمين عندئذ في عرض واحد، ونسبتهما إلى أطرافهما على حدّ سواء، فلا معنى لانحلال أحدهما بالآخر، وإن شئت فقل: إنّ لدينا علماً واحداً، أو يمكن أن يعبّر عن العلمين بعلم واحد، بنجاسة الإناء الأسود أو الانائين الآخرين، ولا إشكال في منجّزيّته، فهذا من قبيل ما لو علم ابتداءً بأنـّه إمـّا الإناء الأسود نجس، أو الإناءان الآخران نجسان.

وأمـّا إذا فرض أحد العلمين مُقدّماً على الآخر معلوما أو علماً، فهنا نظريات ثلاث:

الاُولى: انحلال ما هو متأخّر معلوماً بما هو متقدّم معلوماً، وهو ما قال به المحقق النائيني (قدّس سرّه)(1).

الثانية: انحلال ما هو متأخّر علماً بما هو متقدّم علماً، من دون أثر للتقدّم المعلومي وتأخّره، وأظنّ قويّاً أنّ هذا ما قال به السيّد الاُستاذ، وإن كان الموجود في الدراسات هي النظرية الاُولى(2).

الثالثة: إنكار الانحلال رأساً في جميع الفروض، وهو التحقيق كما يظهر من خلال الكلام.

أمـّا النظرية الاُولى، فمثّل المحقق النائيني (قدّس سرّه) في مقام بيانها أوّلاً بمثال فرض فيه أحد العلمين مقدّماً على الآخر معلوماً وعلماً؛ ليكون الانحلال فيه أوضح، ويساعد على توضيح المطلب، ثم أفرز تقدّم العلم عن تقدم المعلوم، وعمّم مدّعاه وبرهانه. ونحن نتّبعه في ذلك في مقام بيان مقصوده، ونأتي أوّلاً بالمثال الأوّل، أعني: مثال تقدّم العلم والمعلوم معاً، فنقول: إذا علم إجمالاً في أوّل الظهر، بوقوع قطرة دم في الإناء الأبيض أو الأسود، وبعد مضيّ ساعتين مثلاً علم بأنـّه وقعت الآن قطرة من الدم، إمـّا في الإناء الأسود أو الأحمر، فهذا العلم الإجماليّ الثاني لا ينجّز شيئاً في المقام، لأنـّه ليس علماً بالتكليف على كلّ تقدير، بل علم بشيء على بعض التقادير يكون تكليفاً، وعلى بعض التقادير لا يكون تكليفاً، فإنـّه


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 13-14، واجود التقريرات: ج 2 ص 248- 249.

(2) راجع الدراسات: ج 3، ص 237، والمصباح: ج 2، ص 366.