المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

157

إن كان يقصد بذلك أنـّنا لا نعلم بكون هذه القطرة الثانية سبباً للتكليف، فهذا صحيح؛ إذ على تقدير وقوعها في الإناء الأسود، مع كونه نجساً من أوّل الامر ليست سبباً للتكليف، لكنْ لا يشترط في حصول العلم بالتلكيف حصول العلم بكون هذه القطرة سبباً للتكليف، بل حصول العلم بكونها ملازمة للتكليف ـ أيضاً ـ يساوق العلم بالتكليف، ولا إشكال في أنـّنا نعلم بأنّ هذه القطرة ملازمة للتكليف على كلّ تقدير، فإنـّها إمّا واقعة في إناء نجس في نفسه نكون مكلفين بالاجتناب عنه، أو في إناء طاهر في نفسه، فأوجبت تكليفاً بالاجتناب عنه. ولو اشترط في التنجيز حصول العلم بالسببية، للزم الانحلال حتّى بشكّ بدوي، فلو احتمل بدواً نجاسة الإناء الأسود، ثمّ علم إجمالاً بوقوع القطرة في الإناء الأسود أو الأحمر، لا يكون هذا منجّزاً؛ إذ لا نعلم بكون القطرة سبباً للتكليف؛ لأنـّها على تقدير وقوعها في الإناء الأسود، وكونه نجساً من قبل، لا يؤثّر شيئاً. وهذا كما ترى.

وأمـّا إنْ اعترف بحصول العلم بعد ساعتين من الظهر بما يلازم التكليف المساوق للعلم بالتكليف، لكن كان مقصوده أنـّه لم يحصل العلم بحدوث تكليف، فهذا ـ أيضاً ـ صحيح؛ إذ على تقدير وقوع القطرة فيما كان نجساً من قبل، لم يحدث تكليف جديد، لكن لا يشترط في تنجيز العلم الإجماليّ كونه علماً بتكليف حادث.

وهكذا الحال لو كان مقصوده أنـّه ليس هذا علماً بتكليف آخر غير التكليف الأوّل، ونحو ذلك من العناوين، فإنّ المنجّز إنـّما هو العلم بالتكليف بلا حاجة إلى أيّ واحد من هذه العناوين، كعنوان الآخر أو الحادث، أو نحو ذلك، بل يكفي العلم بأصل التكليف، سواء كان حدوثياً أو بقائياً، ولا إشكال في أنـّه بوقوع القطرة الثانية حصل لنا علم بثبوت التكليف: إمـّا بالاجتناب عن الإناء الأسود، أو بالاجتناب عن الإناء الأحمر، غاية الأمر أنـّه يحتمل كون هذا التكليف بقائياً، كما هو الحال ـ أيضاً ـ في المثال الذي ذكرناه من فرض الشكّ البدوي في نجاسة الإناء الأسود، والعلم الإجماليّ بوقوع قطرة بعد ذلك فيه أو في الأحمر؛ إذ التكليف على تقدير وقوعها في الأسود وكونه نجساً من قبل بقائي لا محالة(1).


(1) وكذلك لو كان مقصوده (رحمه الله) أنّ هذا العلم ليس علماً بتكليف آخر، غير التكليف الأوّل، ونحو ذلك من العناوين، قلنا: إنّ المنجّز إنـّما هو العلم بالتكليف، بلا حاجة إلى فرض تعلّق العلم بأيّ واحد من هذه العناوين، كعنوان الآخر أو الحادث أو نحو ذلك.