المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

168

واستصحابها، والتي هي مؤمِّنات في عرض المنجِّز، فهي تؤمّن عن الواقع، والبيّنة تنجّز الواقع، لكنّ البيّنة تقدّم على الأصل على ما ثبت في الفقه، وهذه الاُصول ليس بابها باب تعارض الحجّة بالحجّة، بل بابها باب اشتباه الحجّة باللاحُجّة؛ لأنّ أحد الأصلين معيّناً قد قامت في مورده البيّنة على النجاسة المفروض تقدّمها عليه، فهو غير حجّة، وقد اشتبه بالآخر، ولا ندري ما هو، فقد علمنا بعدم حجّيّة واحد منها معيّن عند الله مردّد عندنا، وعندئذ نشكّ في كلّ واحد من الأصلين أنـّه هل هو حجّة أو لا، فيأتي دور إثبات حجّيّته بالتمسّك بالقسم الثاني من الاُصول، وهي الاُصول التي تكون في طول المنجِّز، وتؤمّن عن ذلك المنجِّز، والحكم الظاهري كاستصحاب عدم قيام البيّنة على النجاسة، وهذه الاُصول تتعارض فيما بينها تعارض الحجّة بالحجّة، لأنـّنا نعلم إجمالاً بقيام البيّنة في أحد الجانبين، ونسبة هذه الاُصول إلى هذا العلم هي نسبة الاُصول المؤمّنة عن الواقع إلى العلم الإجمالي الوجدانيّ بالحكم الواقعيّ، وكما كنّا نقول هناك: إنّ الاُصول المرخّصة مضادّة بحسب الارتكاز العقلائيّ للغرض الإلزاميّ الواقعيّ المعلوم بالإجمال. كذلك نقول هنا: إنّ الاُصول المرخِّصة مضادّة بحسب الارتكاز العقلائي؛ لاهتمام الشارع المعلوم بالإجمال بغرضه الإلزامي عند التزاحم في عالم المحرّكيّة.

هذا. ولا يفترق فيما ذكرناه من كون القسم الأوّل من الاُصول بابها باب تعارض الحجّة باللاحجّة؛ لقيام البيّنة في مورد واحد منها معيّناً، وحجّيّتها فيه، بين ما يقول به الأصحاب من أنّ تنافي الأحكام الظاهريّة العرضيّة يكون بوجودها الواصل، و ما هو المختار عندنا من أنّ تنافيها يكون بوجودها الواقعي. توضيح ذلك: أنّ الأحكام الظاهرية التي تكون في مرتبة واحدة، اي: ليس أحدها ناظراً إلى حال الآخر نفياً وإثباتاً في حال الشكّ فيه، إنـّما تتنافى عند الأصحاب في صورة الوصول، فأصالة الطهارة مثلاً مع حجّيّة البيّنة على النجاسة إنـّما تتنافيان في فرض الوصول، إذ هي في فرض الوصول تؤثّر في التنجيز والتعذير، ويستحيل اجتماع التنجيز والتعذير معاً، وأمـّا في أنفسهما فلا تنافي بينهما؛ إذ الأحكام الظاهرية ليست إلّا مجرّد إنشاءات مثلاً، وعليه فلو شكّ بدويّاً في مورد تجري فيه أصالة الطهارة في أنـّه هل قامت بيّنة فيه على النجاسة أو لا، فهذا الشكّ لا يمنع عن التمسّك ابتداءً بأصالة الطهارة، سواء فرض دليل حجّيّة البيّنة مخصّصاً أو حاكماً أو وارداً، لأنّ البيّنة لم تصل حتى يقع التنافي بين أصالة الطهارة وحجّيّة البيّنة،