المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

169

وتقدّم البينة عليها بالتخصيص أو الحكومة أو الورود، ولا معنى لتقدّم انشاء على انشاء، فلا مانع من حجّيّة أصالة الطهارة أصلاً.

وأمـّا نحن فلمّا اخترنا أنّ الأحكام الظاهرية ليست مجرّد انشاءات جوفاء، بل تشتمل على روح وحقيقة تكون عبارة عن شدّة الاهتمام بالفرض الواقعي، وعدم الاهتمام به، قلنا عندئذ: إنّ التنافي بينها ثابت بوجودها الواقعي، لتنافي الاهتمام مع عدم الاهتمام ذاتاً، وعليه ففي هذا المثال إنـّما نتمسّك بأصالة الطهارة بعد رفع محذور احتمال وجود البيّنة التي تقدّم بحجّيّتها عليها، سواء كان بالورود أو بالحكومة أو بالتخصيص، باستصحاب عدم قيام البيّنة، ولكن فيما نحن فيه، لا يفترق الحال بكون التنافي بين الأحكام الظاهرية بوجودها الواقعي أو بوجودها الواصل؛ إذ المفروض أنّ البيّنة واصلة إلينا ولو بالعلم الإجمالي، وهذا المقدار من الوصول كاف في المقام، لأنّ المفروض أنّ البيّنة تنجّز، ولو علمت بنحو العلم الإجمالي، فيقع التنافي بين التنجيز والتعذير.

وهذا الفارق الجوهريّ الذي بيّناه بين علاقات الاُصول بعضها مع بعض في هذا العلم الإجماليّ، وعلاقاتها في العلم الإجماليّ الوجدانيّ بالحكم الواقعي حتى الآن لم يؤدِّ إلى ثمرة عمليّة، لكن ينتهي إلى ثمرة عمليّة بلحاظ بعض ما يترتّب عليه من الفوارق كما سوف يظهر ـ إنْ شاء الله ـ .

الفارق الثاني: ما يترتّب على الفارق الأوّل، وهو أنـّه إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي مورداً للأصل المثبت، والطرف الآخر مورداً للأصل النافي، كما لو قامت البيّنة على نجاسة أحد الإناءين معيّناً، واشتبه بإناء آخر، وكان أحدهما مورداً لاستصحاب النجاسة، والآخر مورداً لاستصحاب الطهارة، فهنا كما نقول في فرض العلم الوجدانيّ بنجاسة أحد الإناءين بالرجوع إلى استصحاب الطهارة في الإناء المسبوق بالطهارة، كذلك نقول بذلك هنا، لكن يختلف الأمر في فلسفة الموقف الفنّيّ، فهناك كنّا نقول: إنّ استصحاب الطهارة في هذا الطرف غير مبتلىً بالمعارض فيجري، وهنا نقول: إنّ استصحاب الطهارة في الإناء المسبوق بالطهارة يحتمل عدم حجّيّته. لقيام البيّنة على خلافه، فنرجع إلى استصحاب عدم قيام البيّنة على النجاسة في ذلك المورد، ولا يعارض باستصحاب عدم قيام البيّنة على النجاسة في الطرف الآخر، فإنّ الطرف الآخر في نفسه مستصحب النجاسة، فإن بنينا على أنّ البيّنة لا تقدّم على الأصل المطابق لها، بل يجريان معاً، فالاجتناب عن الإناء الآخر منجَّز ـ