المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

172

الشيء، كذلك نقول في البينة القائمة على نجاسة أحد الفردين: بأنّ دليل حجّيّتها يدلّ على أنـّه وإن كان يوجد احتمال مخالفتها للواقع، لكن يهتمّ المولى بالواقع على تقدير المصادفة، حتى مع وجود هذا الاحتمال، كما لو لم يكن موجوداً، وكان يعلم إجمالاً بنجاسة أحد الشيئين، وعليه، فكما أنـّه لو كان يعلم بنجاسة أحدهما كان ذلك موجباً لوجوب الموافقة القطعيّة، كذلك الأمر في فرض قيام البيّنة على أحدهما؛ إذ العلم باهتمام المولى بغرضه المردّد ـ حتى مع الشكّ في أصل الغرض، كما لو لم يكن شكّ فيه ـ يحتّم بحكم العقل على العبد الموافقة القطعيّة. كما كان يحتّم عليه ذلك العلم بنفس الغرض المردّد، وهذا واضح على مبانينا.

ولكن جملة من مباني مدارس الأصحاب الآخذة في حقيقة الحكم الظاهريّ ببعض ألسنة بيان الحكم الظاهريّ تواجه المشكلة في هذا المقام، ونذكر على سبيل المثال جملة منها:

فمنها ـ ما يظهر من كلام المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) في بحث الجمع بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ (1) من أنّ الحكم الظاهريّ عبارة عن التنجيز والتعذير، فعلى هذا المبنى يشكل الأمر في المقام، فإنّ دليل حجّيّة البيّنة إن قيل بأنـّه ينجّز هذا الطرف بالخصوص، أو ذاك الطرف بالخصوص، فهو ترجيح بلا مرجّح، ونسبة البيّنة إليهما على حدّ سواء، والدليل إنـّما دلّ على تنجيز مفاد البيّنة، وليس مفاد البيّنة هذا بالخصوص، أو ذاك بالخصوص، بل نفرض أنّ البيّنة بنفسها لا تعلم أنّ هذا بالخصوص نجس أو ذاك، والفرد المردّد ليس شيئاً حتى ينجّز بالبيّنة، وإن قيل بأنّه ينجّز الجامع، اتّجه التخيير، ولا وجه لوجوب الموافقة القطعيّة، بل يجوز شرب أحدهما، بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان) التي يُؤمن بها المحقق الخراساني (قدس سره)، ولا يقاس ذلك بما يقوله (رحمه الله) من منجّزيّة العلم الإجماليّ للواقع إن قيل بأنّ العلم متعلّق بالجامع، ومع ذلك ينجّز الواقع، فإنّ منجّزيّة العلم حيث كانت بحكم العقل أمكن أنْ يُدّعى ـ كما هو الصحيح ـ: أنّ العلم الإجمالي بالرغم من تعلّقه بالجامع يحكم العقل بمنجّزيّته للواقع، أمـّا في المقام فهل نُسري التنجيز من الجامع إلى الواقع بحكم العقل، أو بحكم الشرع؟ فإن قيل بالأوّل، فهو خلف فرض أنّ أصل التنجيز هنا شرعيّ، وإن قيل بالثاني، يرد عليه: أنّ دليل حجّيّة البيّنة، إنـّما يدلّ على تنجيز مفاد


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 44 حسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.