المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

174

ثبت في المقام العلم بالجامع تعبّداً، وذلك ينجّز كلا الطرفين بنفس البيان الذي اختاره هناك.

ومنها ـ المذهب التقليديّ الموروث عن الشيخ الأعظم (قدس سره) من أنّ الحكم الظاهريّ عبارة عن جعل حكم مماثل للمؤدّى، على شرط احتمال مطابقته للواقع، وعليه ـ أيضاً ـ يشكل الأمر في المقام؛ إذ لو فرض جعل الحكم في هذا الطرف بالخصوص، أو ذاك الطرف بالخصوص، لم يكن ذلك مماثلاً للمؤدّى، ولو فرض جعل الحكم بالجامع لم تجب الموافقة القطعيّة، مضافاً إلى أنّ هذا خلف فرض اشتراط احتمال المطابقة للواقع لأنـّا نعلم أنّ الواقع إمـّا هذا بالخصوص، أو ذاك بالخصوص(1)، ومن هنا كان الإشكال على هذا المذهب أشدّ منه على ما مضى.

ثم لو فرضنا عدم احتمال كذب البيّنة، وإنّ احتمال الخلاف كان منحصراً في احتمال الخطأ و الاشتباه، وسلّم ـ أيضاً ـ أنّ العلم الإجماليّ يتعلّق بالواقع لا بالجامع، فعندئذ يمكن رفع الإشكال على مبنى المحقّق العراقيّ (رحمه الله) بأن يقال: إنّ الشارع جعل لنا العلم بما تعلم به البيّنة، والمفروض تعلّق علمها بالواقع، وأنّ علم البيّنة ينجّز عليها وجوب الموافقة القطعيّة، فإذا جُعِلَ لنا علم كعلمها نجّز ذلك علينا وجوب الموافقة القطعيّة.

ولكن لا يمكن رفع الإشكال بذلك على مبنى جعل المنجّزيّة والمعذّريّة، بأن يقال: إنّ الشارع جعل المنجّزية للواقع، فإنـّنا نحتمل خطأ البيّنة، وعلى تقدير الخطأ لا يوجد واقع ينجّز، كما لا يوجد مفاد للبيّنة يقتضي تنجيزه الموافقة القطعيّة، وهذا بخلاف فرض قيام البيّنة على نجاسة شيء معيّن، فإنّ الشارع قد جعل هناك مفاد البيّنة منجّزاً، وتنجيز ذاك المفاد يوجب الموافقة القطعيّة ولو فرضت بيّنة خاطئة.

كما لا يمكن أيضاً رفع الإشكال بذلك على مبنى الشيخ الأعظم من جعل الحكم المماثل، بأنْ يقال: إنّ الشارع حكم بالواقع حكماً مماثلاً لمفاد البيّنة، فإنـّنا لو علمنا بعدم خطأ البينة، فقد علمنا وجداناً بنجاسة أحد الإناءين، ولا حاجة إلى حجّيّة البيّنة، ولو احتملنا خطأها، فما معنى حكم الشارع بالواقع؟!

وعلى أيـّة حال، فهذا إشكال تواجهه هذه المدارس؛ لانشغالها بالألفاظ عن


(1) قد يقال: نكتفي في احتمال المطابقة للواقع بالمقدار الموجود في المقام، فإنّ مؤدّى البيّنة على تقدير صدقها وعدم خطئها مطابق للواقع بمقدار الجامع؛ لأنّ الجامع موجود ضمن الفرد.