المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

175

الواقع، وأخذها في حقيقة الحكم الظاهري ببعض ألسنة بيانه(1)، والصحيح هو ما


(1) الواقع: أنّ سقوط البراءات العقليّة في الأطراف، ووجوب الموافقة القطعيّة وعدمه لدى قيام بيّنة على الجامع بين الحكمين، يرتبط بما هو المبنى في حقيقة العلم الإجماليّ، ومدى تنجيزه أكثر ممّا هو مرتبط بفهم حقيقة الحكم الظاهري.

وتوضيح المقصود: أنـّنا بعد فرض الإيمان بأصل قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) تارةً نبني في باب العلم الإجمالي على أنـّه متعلّق بالواقع، ومن ثمّ ينجّز الواقع، فتجب الموافقة القطعيّة، واُخرى نبني على أنـّه رغم تعلّقه بالجامع تجب موافقته القطعيّة؛ لأنّ الجامع منظور إليه بما هو مفروغ عن انطباقه وتحصّصه، وثالثة نبني على أنـّه تجب الموافقة القطعيّة؛ لتعارض البراءات العقلية وتساقطها في الأطراف ولو فرض تعلّق العلم بالجامع، ورابعة نبني على أنّ العلم الإجمالي رغم تعلقّه بالجامع يقتضي تنجيز الواقع، أي: أنّ تنجيزه أوسع بما تعلّق به؛ لأنـّنا لا نؤمن بحرفيّة قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) ونرى أنّ العلم بالجامع يكفي لانتفاء موضوع قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) بناءً على الإيمان بأصل هذه القاعدة، وهذا المبنى الرابع هو مختار اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) فيما مضى، وخامسة نبني على أنّ العلم الإجمالي لا تجب موافقته القطعيّة؛ لأنـّه لم ينجّز أكثر من مقدار الجامع.

فعلى الأخير لا مورد للبحث هنا، إذ حتى على تقدير العلم الإجماليّ الوجدانيّ بالحكم الواقعي لا تجب موافقته القطعيّة، فضلاً عن فرض قيام البيّنة على الجامع، وإنـّما يقع الكلام في المقام على المباني الاُخرى.

فعلى المبنى الأوّل نقول في المقام: إنّ البيّنة إمـّا نقطع بعدم كذبها وإن احتملنا خطأها، أو نحتمل كذبها، فإن قطعنا بعدم كذبها إذن هي تعلم علماً إجماليّاً بأحد الحكمين، وعلمها متعلّق بالواقع حسب الفرض، أي: أنّ المعلوم بالفرض لها هو مقدار الواقع لا مقدار الجامع، والبيّنة ـ طبعاً ـ تشهد بما تعلم، إذن فبأيّ قدرة قادر نفذ علمها إلى مقدار الواقع نفذت شهادتها ـ أيضاً ـ إليه، فتجب موافقتها القطعيّة، كما وجبت الموافقة القطعيّة للعلم الإجماليّ بالواقع، وإنْ شئت فقل: إنّ علم البيّنة حُجّة لنا، وهو متعلّق بالواقع، فقد تنجّز الواقع علينا، ووجب موافقته القطعيّة، وأمـّا إنْ احتملنا كذبها وعدم علمها بالواقع، قلنا: إنّ البيّنة هي تشهد بأنـّها عالمة، وهذه الشهادة حُجّة لنا، اي: أنـّنا نعمل كما كنّا نعمل لو كانت عالمة، ومن المعلوم انّ علمها لو كان فهو نافذ إلى مقدار الواقع حسب الفرض، فقد تنجّز علينا الواقع، وإن شئت فعبّر بأنّ الشهادة بالعلم بالواقع دعوى للشهادة بالواقع، وهذه الدعوى حجّة لنا.

وعلى المبنى الثاني أيضاً تكون البيّنة موجبة لتنجيز الموافقة القطعيّة؛ لأنّ البيّنة وإن تعلّقت بالجامع فنجّزت الجامع، لكنّها قد تعلّقت به بما هو منظور إليه مفروغاً عن انطباقه وتحصّصه، فتنجّزت كذلك، فوجبت الموافقة القطعيّة.