المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

177

لكنّ التحقيق: أنّ هذا الجواب لا يتمّ دائماً؛ لأنّ ما كان يقول به المحقّقون من الاُصوليّين إلى يومنا هذا من أنّ العلم الإجماليّ يستلزم دائماً علوماً بقضايا شرطيّة بعدد الأطراف، تاليها ثبوت طرف من هذه الأطراف ومقدّمها انتفاء باقي الأطراف غير صحيح؛ لأنّ العلم الإجمالي قد ينتج عن برهان أو ما بحكم البرهان (1)، فيتمّ فيه ما ذكر، وقد ينتج عن حساب الاحتمالات في الأطراف، كما لو علمنا بنجاسة إناء من أواني هذا المسيحي نتيجة لتراكم احتمالات المساورة الثابتة في تلك الأواني، وفي مثل ذلك لا يستلزم العلم الإجمالي تلك العلوم؛ لأنـّه على تقدير انتفاء باقي الأطراف لا يوجد لنا احتمالات نضمّ بعضها إلى بعض، حتى تولّد علماً في المقام، فليس لنا علم على هذا التقدير، ففي مثل ذلك لا يتمّ هذا الجواب مع أنـّهم يلتزمون بوجوب الاجتناب ولو فرض كون منشأ العلم للبيّنة هو حساب الاحتمالات.

وامـّا المقام الثاني: فيوجد هنا إشكال في تقديم إطلاق دليل حجّيّة البينة، بعد الفراغ عن صحّتها في نفسها في المقام الأوّل على إطلاق دليل الأصل؛ وذلك لأنـّه لا يمكن قياس ذلك بفرض قيام البيّنة على نجاسة شيء معيّن، فإنـّه هناك قد عبّدنا الشارع بنجاسة هذا الإناء، وفرض أنّ الأصل إنـّما يجري مع عدم العلم بالنجاسة واقعاً أو تعبّداً، فدليل البيّنة ناف لموضوع دليل الأصل بالحكومة أو الورود، وأمـّا فيما نحن فيه ففي كلّ واحد من الإناءين يكون موضوع دليل الأصل تاماً؛ لعدم العلم بنجاسته واقعاً ولا تعبّداً، غاية الأمر أنـّنا نعلم بجامع النجاسة تعبّداً، أو بالقضيّتين الشرطيّتين بالنحو الذي عرفت، فتقع المعارضة بين دليل حجّية البيّنة ودليل الأصل، ولا يقاس ما نحن فيه بالعلم الوجدانيّ بنجاسة أحد الإناءين، فإنّ العلم الوجدانيّ كان منجِّزاً عقلاً أو عقلائيّاً، فدليل الأصل لو أراد إبطال هذه المنجّزيّة، فهو خلف ما يفرض من عدم تعليقيّة منجّزيّة العلم الإجمالي عقلاً، أو القرينية المتّصلة للارتكاز العقلائيّ في المقام، ولو أراد رفع النجاسة واقعاً، فهو خلف عدم التصويب، ولو أراد رفع العلم، فهو خلف مفروض المسألة، وأمّا في المقام فمنجّزيّة البيّنة إنـّما ثبتت بإطلاق دليل شرعي، فيقع التعارض بين هذا الاطلاق


(1) كأنّ مقصوده (رحمه الله) بما بحكم البرهان حساب الاحتمالات في مرحلة اُخرى غير احتمالات نفس الأطراف، كما لو شهد من نقطع بصدقه، وعدم خطأه بحساب الاحتمالات بأنـّه رأى بعينه نجاسة أحد الإناءين.